قام الجيش المصري أول من أمس، بجمع جثث مقاتلي «داعش» الـ 60 المخضبة بالدماء على الارض، والتي تم احضارها من ميادين القتال ووضعت على ارضية بركة في مدينة العريش. وعلى جانب تلك البركة الفارغة سكب الجيش المصري عشرات اذا لم يكن مئات قطع السلاح التي حملها الإرهابيون. وقد برزت داخل البركة الملابس العسكرية الرسمية والتي شملت الاحزمة والسترات الواقية.
أول من امس، عند الظهيرة هدأت النيران في ميدان القتال بين العريش ورفح المصرية. الآن يعدون الجثث. قوات الامن المصرية والجيش لديهم عشرات القتلى. ومحاولة «داعش» احتلال منطقة مدنية في سيناء مع التشديد على العريش، فشلت. لكن المعركة على الوعي ما زالت مستمرة: من انتصر ومن خسر. مصر تملك ورقة الجثث من اجل الدعاية، و»داعش» يملك ورقة الصدمة التي تسبب بها للجمهور المصري على ضوء الهجوم الذي قام به هذا الاسبوع، سواء كان ذلك في سيناء أو داخل مصر.
يصعب القول إن جولة القتال الحالية على خط الشاطئ الشمالي لسيناء قد انتهت، حيث أن المواجهة الاخيرة بين الجيش المصري و»داعش» تميزت بالمفاجأة للاستخبارات المصرية. والجيش الاسرائيلي الذي دخل في حالة تأهب منذ الساعات الاولى للقتال في يوم الاربعاء صباحا، أخذ في حسابه امكانية وجود ثقب استخباري لدينا ايضا، وأن هذه المواجهة قد تتدحرج بشكل مفاجئ باتجاه الحدود الاسرائيلية. وهذا هو سبب زيادة الاستطلاع وجمع المعلومات في العمق. وقد أصبح يمكن القول بيقين في يوم الاربعاء مساءً ان «داعش» لم يخطط لأي شيء على الحدود الاسرائيلية، لكن حالة التأهب بقيت على حالها.
لو أن «داعش» نجح أمام المصريين لكان يمكن أن يتوجه الى الحدود الاسرائيلية. وحسب التقديرات الامنية هنا طرحت امكانية استغلال عناصر سلفية في قطاع غزة لهذه الفرصة ومحاولة فتح جبهة اخرى في مواجهة اسرائيل. لا أحد يعرف في أي اتجاه ستتدحرج كرة الثلج.
أمام «حماس»، أمام سيناء
هذه هي المشكلة الاساسية للقصة من جهتنا: اسرائيل حصلت مرة اخرى على تحذير استراتيجي واضح. ففي سيناء تعمل قوة مسلحة ومنظمة بمستويات شهدناها في افغانستان. وليس الحديث هنا عن بدو مسلحين هاجموا هنا أو هناك مواقع عسكرية مصرية أو ألحقوا الاضرار بأنبوب الغاز. الحديث يدور عن بدو مصريين يحملون ايديولوجيا جهادية وغرباء استقروا في سيناء وتحولوا في الاشهر الستة الاخيرة الى جسم عسكري ممأسس. في الهجوم هذا الاسبوع شارك أكثر من 100 شخص من «داعش» في نفس الوقت، وفي عدة مواقع، في منطقة طولها 25 كم. وهذا يحتاج الى تحضيرات متواصلة وتدريبات ومعدات لوجستية، قيادة وسيطرة. ولتأكيد حقيقة أنهم من «داعش» لا من تنظيم آخر، بدؤوا بالعلامة الفارقة للتنظيم: في نصف السنة الاخير بدأت تظهر في صحراء سيناء جثث مقطوعة الرؤوس لمن اتهموا بالتعاون مع الجيش المصري أو الاشتباه بهم كمتعاونين مع اسرائيل.
نقطة الضعف الآنية في هذا التحذير الاستراتيجي هي الاستخبارات. فقد كان على المصريين خلق تفوق استخباري في سيناء يفيد اسرائيل ايضا. لكن الوضع كان العكس تماما. مصر ليست نقطة ارتكاز استخبارية، وما لا تفعله اسرائيل بنفسها – لن يفعله أحد من اجلها. بعد أحداث هذا الاسبوع، فإن جميع الاستثمارات التي استثمرتها اسرائيل لبناء قاعدة معلومات في سيناء، يجب أن تحظى بأهمية عليا في الميزانية.
اسرائيل تستطيع اليوم أن تخلق لنفسها استخبارات في المجال الذي وضعته على سلم أولوياتها: منع دخول السلاح من سيناء الى القطاع كجزء من جهود «تجفيف» حماس العسكرية، وهذه الجهود تثمر. وتوجيهات «الشباك» وادارة المعابر تقضي بـ»الوصول حتى سماعة السلكون الاخيرة». كل من يستطيع المساهمة في حفر الانفاق يختفي.
في الاشهر الاخيرة ليس هناك عمل لحفاري «حماس» العسكريين، ولا توجد أدوات، وعشرات الكيلومترات من الكوابل من اجل الانفاق تمت مصادرتها في كرم سالم. ومع مرور سنة على الجرف الصامد فقد خططت «حماس» للوصول الى عدد معين من الانفاق، لكنها لم تستطع تنفيذ هذا الهدف. وفي لحظة وصول مواد البناء – مثل الاسمنت من قطر عن طريق معبر رفح برعاية مصرية – فإن صناعة الانفاق تبدأ من جديد. وهنا تركز اسرائيل جهدا استخباريا وهناك نتائج، ويشمل ذلك تراجع نسبة صناعة الصواريخ.
مع ذلك قامت التنظيمات المختلفة في القطاع، وعلى رأسها «حماس»، بتنفيذ مئات تجارب اطلاق الصواريخ. والحديث هنا يدور عن تطوير مدى الصواريخ حتى يصل الى 80 – 150 كم. وتبذل اسرائيل جهودا كبيرة لكبح هذه الصناعة، ولكن في فيلادلفيا بين رفح المصرية ورفح القطاع، قامت «حماس» باحياء بضعة أنفاق تتجاوز المنطقة الفاصلة التي وضعها المصريون بنحو كيلومتر ونصف من الحدود، وبنت أنفاق يصل طولها الى 2.5 – 3 كم. وهكذا تمر مواد بكميات كبيرة عن طريق فيلادلفيا. ويمكن تعزية النفس بحقيقة أن طنا من المواد المتفجرة الذي يصل الى القطاع يكلف 50 ألف دولار مقارنة بـ 10 آلاف دولار في السابق.
وفيما يتعلق بسيناء فان الجهود الاستخبارية ما زالت هامشية، رغم أن صورة «داعش» على الحدود الاسرائيلية الجنوبية أصبحت واضحة، إلا أن الصورة المقلقة تأتي من الحدود الشمالية حيث يعمل «داعش» من هناك على اسقاط نظام الاسد في سورية.
قد يبادر الرئيس السيسي الى عملية واسعة في سيناء، لكن الاستراتيجية المصرية في مواجهة الجهات السلفية في سيناء لن تتغير. صحيح أن السيسي قد حوّل سيناء الى المهمة المركزية. فهو على عكس أسلافه، فرض على الجيش مسؤولية القتال في شبه الجزيرة، ونقل الى هناك السلاح الثقيل والوحدات الخاصة، واسرائيل من جهتها وافقت على الطلعات الجوية فوق شبه الجزيرة من اجل مكافحة الارهاب، وليس غريبا أن اسرائيل توقعت أن ينجح الجيش المصري في عزل المنطقة المصابة بالارهاب وفصل جنوب شبه جزيرة سيناء عن شمالها، وعزل قطاع غزة عن شمال سيناء. لكن المصريين غير موجودين هناك بعد.
آلاف الضحايا
كان هناك تواجد، وما زال، للاستخبارات المصرية في افغانستان. فهم يعرفون مثلنا تقنية الحرب، والارهابيون الذين يعملون داخل السكان المدنيين على عكس استراتيجية اسرائيل في محاربة الارهاب التي تبحث عن الخلية والشبكة، فهم يحاولون الوصول الى قلب السكان البدو من اجل خلق شرخ بينهم وبين الارهابيين، لكنهم لا يملكون الوسائل المطلوبة لاقامة المدارس والمستشفيات والمصانع تعوضهم عن الاهمال الذي استمر عشرات السنين. والوسائل الاستخبارية التي يملكونها تتوزع بين الحدود: ليبيا، السودان وسيناء. ليست لهم مصادر كافية، وشراء الأدوات من اجل جمع المعلومات أمر ليس سهلا، وايضا تجنيد ونشر العملاء بين البدو هو عملية طويلة.
قبل سنة ونصف السنة تحدثت النخبة في الجيش المصري عن استراتيجية لقمع الارهاب في سيناء كعملية متواصلة مليئة بالمفاجآت والضحايا. قائد القوات العسكرية المصرية في سيناء قال في نقاشات مغلقة إن الجيش المصري سيدفع ألف قتيل ثمنا لهذه الحرب. لذلك فان الحرب في مواجهة «داعش» هذا الاسبوع هي أمر سيئ – لكنهم أخذوا هذا الثمن في الحسبان.
لا تستطيع اسرائيل أن تصمت على وجود خطر، في الوقت الذي تعاني فيه من ثغرات في المعلومات الاستخبارية. استراتيجيتنا واستراتيجية مصر في الحرب ضد الارهاب تختلفان. فإسرائيل لا تستطيع ولا تريد دفع الثمن، ألف قتيل، ولا تستطيع الصمت على تحويل سيناء الى جبهة داخلية لوجستية لحماس في غزة، كثمرة للتعاون مع «داعش».
«داعش» غير موجود في سيناء فقط، بل هو تجاوز الحدود من سيناء الى النقب. يجب أن نكون ساذجين لكي نؤمن أن حملة بطاقات الهوية الزرقاء غير متأثرين من هذه الايديولوجيا ولن يتحولوا الى نشطاء – المقصود ليس الذين ذهبوا للقتال في سورية أو الذين يشاركون في النقاشات حول «داعش» في الشبكات الاجتماعية. فـ»داعش» هو مرض مُعدٍ وهو موجود هنا.
عن «يديعوت أحرونوت»
6 شهداء بمجزرة إسرائيلية جديدة في النصيرات
24 سبتمبر 2024