06 تموز 2015
ما شهدته الساحة المصرية من أحداث مؤلمة يومي الثلاثين من حزيران والأول من تموز الجاري، ينطوي على أبعاد خطيرة، تستدعي الانتباه، وتوخي القراءة الموضوعية.
أن تمتد الأيادي التكفيرية المجرمة لتستهدف بالاغتيال شخصية مرموقة من مستوى الراحل النائب هشام بركات، وفي الذكرى الثانية لاندلاع الثورة الشعبية في مصر، يشكل نقلة نوعية في مستوى التفكير لدى هذه الجماعات تفكير لا يرى إمكانية لمصالحة وطنية، ولا يعكس حرصاً على مصر الدولة، والمجتمع، تفكير تدميري، يدفع الصراع الداخلي إلى ذروة المغامرة.
اغتيال النائب بركات يتجاوز في أبعاده معاني الرد على ذكرى الثورة الشعبية، فالعملية بالإضافة إلى ذلك، تؤشر على نقلة خطيرة في مستوى الاحتجاجات، ما يوجب رداً من الحكومة أشد حزماً، حتى لا يتوهم الفاعلون، أن بإمكانهم إنزال الهلع في المؤسسة الحاكمة.
والحقيقة أن عملية الاغتيال توفر للنظام المبررات الكافية لاتخاذ أقسى وأقصى الإجراءات العقابية سواء للقابعين في السجون أو لمن يداومون على اثارة الفوضى والاحتجاج بأساليب استفزازية.
على أن قراءة الرسالة التي تنطوي عليها عملية الاغتيال لا تستقيم إلاّ بربطها بما قامت به الجماعات التكفيرية في اليوم التالي في جنوب سيناء وأوحى لبعض القنوات الفضائية المناوئة لمصر، بأن ما يجري في منطقة الشيخ زويد وجنوبها، يحضر لإعلان إمارة الشيخ زويد. يثير تساؤلات كثيرة وكبيرة وخطيرة، حيث شارك في عمليات الهجوم على أكمنة الجيش، عدد كبير من المقاتلين، واستخدموا أسلحة نوعية.
المصادر الرسمية المصرية أشارت إلى أن نوع المتفجرات التي استخدمها من قاموا باغتيال النائب بركات، هي من نفس نوع المواد التي جرى استخدامها في عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق الحريري ما يعني أن الممول واحد.
والسؤال هو من يملك هذا النوع من المواد التفجيرية، ومن يملك ويستطيع توفير هذه الأنواع من الأسلحة للجماعات التكفيرية؟
من يبحث عن أجوبة لهذه الأسئلة، عليه أن لا يتوه في توزيع الاتهامات وبعضها جزافي، فالمؤشرات كلها تذهب إلى إسرائيل.
إسرائيل بادرت إلى التحريض على حركة حماس، واتهمتها بأن لها علاقة بما جرى في جنوب سيناء، وبأن القسام قدم خدمات لوجستية للجماعات التي شنت هجومها على أكمنة الجيش، أما الهدف فهو واضح.
تريد إسرائيل إبعاد الشبهة عن دورها أولاً، وتوحي وكأنها حريصة على أمن مصر ومصالحها، وتريد أيضاً إفساد العلاقة التي شهدت تحسناً في الفترة الأخيرة بين حماس ومصر، وأدت إلى فتح معبر رفح، والسماح بتمرير الاسمنت ومواد البناء لغزة.
قد يقال إن إسرائيل لطالما عملت على دفع قطاع غزة باتجاه مصر ونحو الاعتماد عليها في تأمين حاجات السكان، ومن أجل فصل القطاع وإقامة دولة غزة، لكن هذا كان في ظروف سابقة، وليس بعد التغيير الكبير الذي وقع في مصر بعد ثورة الثلاثين من حزيران العام قبل الماضي حيث افشلت مصر هذا التوجه.
الآن ترغب إسرائيل في خنق قطاع غزة، والضغط بشدة على حركة حماس حتى لا تجد أمامها من خيارات سوى الاستجابة للوساطات، الأوروبية والقطرية والتركية التي تسعى لإبرام صفقة تؤدي إلى هدنة طويلة، مقابل تقديم بعض التسهيلات بضمنها ممر مائي وربما في فترة لاحقة لإقامة مطار.
على أن إسرائيل التي لم تتخل عن خططها لفصل القطاع، وتهيئة البنية التحتية لدولة غزة، المتوسعة في أجزاء من سيناء، ستحاول الالتفاف على الاعتراضات المصرية والفلسطينية من خلال دعمها للإرهاب في سيناء ومنع نجاح أية مصالحة فلسطينية، تسد عليها الطريق.
وبالمناسبة من غير المجدي البحث في مرجعيات الجماعات التكفيرية المتطرفة العاملة في سيناء، والتي تتخذ لنفسها بعض المسميات بهدف التعمية والتشويش، بينما سيقود البحث إلى أن مرجعية كل هذه الجماعات أو أغلبيتها هو جماعة الإخوان المسلمين.
يثير هذا الامر الكثير من الأسئلة حول الخطاب السياسي، لهذه الجماعات ذلك أن الفعل الميداني متناقض تماماً مع الخطاب السياسي، ويحوله إلى مجرد ادعاءات وشعارات فارغة.
نقصد الإشارة إلى أن هذه الجماعات التكفيرية التي تستهدف الجيش والمنشآت الأمنية والشرطية، ليس في برنامجها ولا أجندتها معاداة إسرائيل بل ربما كانت على خط التنسيق والتعاون معها.
هذه ليست اتهامات جزافية، فلقد التزمت هذه الجماعات الصمت، ولم تبادر إلى أي فعل ضد إسرائيل حين كانت في مثل هذا الشهر تشن عدوانها المجرم والبشع على قطاع غزة.
لو أن هذه الجماعات صادقة في توجهاتها وشعاراتها لكانت قامت وهي قادرة على القيام بأعمال مقاومة عسكرية ضد الاحتلال، وحيث الحدود تمتد إلى نحو مئتين وخمسين كيلو متراً بين مصر وإسرائيل.
على كل حال أفسد الرد المصري الحاسم على هذه الجماعات المتطرفة في جنوب سيناء، مخططاتها، فيما جدية الرد، ترسل أيضاً برسالة حازمة لإسرائيل، التي لم ولن تكف عن التدخل من أجل فرض مخططاتها على حساب مصر وفلسطين في الوقت ذاته.
المشهد في مصر يوحي بأن المعركة ضد الإرهاب والجماعات التكفيرية قد دخلت مرحلة كسر العظم، ما ربما يؤدي إلى تحريك المعادلات والمراهنات السياسية الجارية، في اتجاه تصعيد إسرائيل لعدوانها على قطاع غزة، طالما أن هذا هو الخيار الوحيد المتاح أمامها لتمرير مخططاتها بفرض دولة غزة، والانتظار حتى تنضج الظروف أكثر لتوسيع هذه الدولة في مناطق من سيناء المصرية.
يستدعي ذلك تعميق الحوار المصري مع حماس، وإعادة تنشيط الدور المصري الذي افتقدناه لبعض الوقت إزاء المصالحة الفلسطينية، كحائط صد أساسي في مواجهة السياسة الإسرائيلية.