الصورة الأبهى والأجمل

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

من بين كل تداعيات وصور الاعتداء الثلاثي بالقصف على سورية، تبقى الصورة الأجمل والأبهي هي صورة المواطنين السوريين العادين يخرجون إلى ساحات وميادين دمشق وغيرها، يؤكدون مقاومتهم للعدوان ودفاعهم عن وطنهم، ويحتفلون بانتهاء القصف دون خسائر تذكر.الصورة جاءت غير مرتب لها. كان ذلك واضحاً تماماً من تنوع شخوصها وعفويتهم وتوزعهم على أكثر من ساحة وميدان وشارع في أكثر من مدينة ومنطقة، وواضحاً في نزولهم إلى الساحات والميادين فرادى وجماعات ودونما ترتيب، وفي سرعة النزول وكثرته.
ولن يكون مستغرباً أو شاذاً وجود معارضين سياسيين للنظام الحاكم بين من يظهرون في الصورة.
كانت الصورة تعبيراً عفوياً تلقائياً وأصيلاً عن الوطنية السورية في واحدة من أبهى تجلياتها، وتعبيراً عن عمقها وتجذرها وشموليتها.
القائمون بالاعتداء، لم يقدموا حتى الآن، مبررات متماسكة، تمتلك الحدود الدنيا من المنطق والعقلانية والمقبولية لعدوانهم وأسبابه ودوافعه:
إذا كان السبب هو استعمال السلاح الكيماوي، فلماذا لم ينتظروا البعثة الدولية المتخصصة لتقوم بفحصها ثم تؤكد حصول ذلك فعلاً. هم استبقوا ذلك لوحدهم وجزموا بحصول الفعل، ثم هم أيضاً من حدد الفاعل دون أي ثبوتيات، وهم من قرر عقابه.
لم يتوقفوا لحظة ليفكروا: لماذا يضطر هذا الفاعل المزعوم إلى استعمال الكيماوي في وقت يحقق نصراً كاسحاً ومريحاً، وتعود لسلطته وسيادته كل الأراضي موضع النزاع؟
وإذا كان السبب والدافع هو توقيع العقاب على الفاعل قصاصاً لأرواح عشرات من الضحايا الأبرياء قتلهم الكيماوي، فلماذا لا ولم يتم القصاص ممن أوقع آلاف وعشرات آلاف الضحايا في مذابح في أكثر من منطقة ومدينة بأنواع أخرى من الأسلحة لا تقل فتكاً وقتلاً أم أن من يقتل بالكيماوي هو فقط من يعتبر ضحية يجب القصاص من قاتله ويبقى القتلة الآخرون مبرئين من أي عقاب أو قصاص؟
وإذا كان استعمال السلاح الكيماوي تحكمه، بشكل خاص ومميز، اتفاقات وقواعد وعقوبات أقرها المجتمع الدولي وتتم المحاسبة والعقاب على أساسها، فلماذا لم ينتظر المعتدون قرار المجتمع الدولي ممثلاً بهيئاته المعروفة وحكمه؟ لماذا أخذوا الأمر على عاتقهم لوحدهم ولم ينتظروا قرار المجتمع الدولي، بل إنهم لم يسعوا جادين لاستصداره؟
حتى أن حلفاءهم المقربين لم ينساقوا معهم ورفضوا مشاركتهم العدوان.
ثم إن الاعتداء لم يضعف النظام ولم يمنعه من فرض سيطرته على مدينة دوما وعلى كل الغوطة الشرقية، والتقدم باطمئنان لحسم معركة ما تبقى من القلمون وجنوب دمشق.
هناك الكثير مما يمكن إضافته من الأسئلة والاستغرابات الشبيهة.
كل الأسئلة والاستغرابات تترافق مع حقيقة أنه لا يوجد إستراتيجية محددة ومعروفة تختص بالتعامل مع الوضع في سورية لدى الأطراف الثلاثة التي قامت بالاعتداء، سواء مجتمعة منفردة، وهي باعتدائها لا تقدم إلا الفوضى. ويبدو أن الفوضى هو ما تسعى له هذه الأطراف في مواجهة إستراتيجية محددة ومتفق عليها من النظام وحلفائه، أساسها وحدة الدولة السورية بجميع أراضيها واستقلالها وسيادتها، ووحدة وتعايش الشعب السوري بكامل أطيافه ومذاهبه.
وهذا ما يعطي المصداقية للمنطق الذي يقول: إن الدول المعتدية ومن يتفق معها لا تريد للدولة السورية تحقيق انتصاراً نهائياً وحاسماً تعيد فيه سيطرتها على كل أراضيها، خصوصاً أنها بالسيطرة على الغوطة الشرقية أصبحت تسيطر على نسبة واسعة جداً وغالبية أراضي الدولة السورية. وإن هذه الدول لا ترضى بحدوث تغير إستراتيجي حاسم لصالح النظام وحلفائه. إنها لا تريد ولا ترضى بذلك، بأمل أن يؤدى استمرار الفوضى إلى استمرار حالة اللاحسم حتى تنجح في فرض تسوية للوضع تضمن لها حضورها وتحفظ لها حصتها ووجودها.
يعزز ذلك خصوصاً، أن الوضع في سورية بقدر ما له علاقة مباشرة بتوازنات القوى على المستوى الدولي، فإن له تأثيراً أكبر وأكثر مباشرة على توازنات القوى في الإقليم وعلى وجودها ومصالحها ومصالح حلفائها فيه. وتبرز في هذا المجال خصوصية تأثير وترابط أي حسم أو حل للوضع السوري على علاقة الولايات المتحدة والغرب عموماً مع النظام الإيراني الحليف لسورية، وهي علاقة تشهد تصعيداً مهدداً ومنذراً.                                                                                                    

كما تبرز خصوصية موقف ومصلحة دولة الاحتلال الحليفة الأقرب والأوثق لأميركا، دولة الاحتلال كانت الأكثر عدم رضا وخيبة أمل من الاعتداء الثلاثي على سورية؛ فقد كانت تطمح  إلى أن يكون الاعتداء أطول زمناً وأوسع شمولاً وأكثر تدميراً، وهي لا تخفي رغبتها وأملها  وسعيها ومشاركتها أن يحقق لها أي حل للوضع في سورية طموحاتها الثلاثة: سورية دولة ضعيفة وجيش ضعيف، تعامل العالم مع احتلالها للجولان كأمر واقع ودائم، لا وجود لإيزان في سورية عسكري بالدرجة الأولى أو اقتصادي أو حتى على شكل حضور جغرافي يحقق لها التواصل المنشود.