فشل الرهان الأميركي

حمادة فراعنة.jpg
حجم الخط

تحدث الأميركيون عن نجاح إصابتهم للأهداف السورية المحددة في خطة الهجوم الثلاثي مع الفرنسيين والبريطانيين، وهذا صحيح مائة بالمائة، باستثناء الصواريخ التي تم اعتراضها وإسقاطها قبل أن تصل أهدافها.
وتحدث الأميركيون عن انتهاء المهمة ولم يعد لهم ما يفعلونه مرة أخرى باستثناء إذا استعمل السوريون مرة أخرى السلاح الكيماوي، وبغير ذلك، فالمقاصد الأميركية تحققت، ولم يعد ما يفعلونه، ما يستوجب تركهم لسورية ورحيلهم عنها، وهو ما سبق وأعلنه الرئيس ترامب قبل تنفيذ خطة الهجوم الثلاثي، وقبل تعرض منطقة دوما للأسلحة الكيميائية المزعومة.
لذلك لم يكن مستبعداً أن خطة الهجوم يوم 14/4/2018، كانت معروفة لدى موسكو، وكما هي دوافعها، وأن الهدف السياسي لم يكن بعيداً عن الاتفاق بينهما، كما سبق وحصل في مطار الشعيرات العام الماضي، كي توفر موسكو غطاء للانسحاب الأميركي والحفاظ على ماء وجه ترامب، الذي واجه رفضاً عسكرياً وأمنياً من قبل الجيش والمخابرات بالانسحاب الذليل، فوفروا له الاتفاق العسكري والأمني مع الروس، ليكون الخروج الأميركي ليس تعبيراً عن الفشل والهزيمة كما هو في الواقع، بل وكأنه تم بعد تأدية المهمة ونهايتها.
الأميركيون عملوا، كعادتهم على تنفيذ خطة إسرائيل، بإزاحة الأنظمة العربية المعادية لهم كما فعلوا مع صدام حسين في العراق، ومعمر القذافي في ليبيا، أو على الأقل إضعاف الأنظمة غير المتعاونة معهم كما فعلوا مع السودان بتمزيقه وشق ترابه الوطني، وولادة دولة جنوب إفريقيا، وكما حاولوا تبني تطلعات الشعب الكردي نحو الاستقلال عن العراق وسورية، وفشلوا بسبب التدخلات التركية والإيرانية التي أحبطت تطلعات الكرد المشروعة، وبذلك فقد الكرد عدالة قضيتهم وما حققوه بنضالهم العنيد.
السياسة الأميركية نحو العالم العربي، يتم تنفيذها بعين المصالح الاستعمارية التوسعية الإسرائيلية بسبب تأثير اللوبي الصهيوني على مؤسسات صنع القرار في واشنطن، وفي القلب منها إضعاف البلدان العربية وتمزيقها وإعلاء مظاهر الفرقة والانقسام بين صفوف مكوناتها القومية والدينية والمذهبية: فالعرب في مواجهة الكرد والأمازيغ والأفارقة، والمسلمون ضد المسيحيين، والصراع السني الشيعي، وهكذا تزرع التطرف العربي الإسلامي السني، مقابل التطرف الكردي الأمازيغي الإفريقي، والمسيحي والشيعي، ليكون التطرف هو السمة السائدة الغالبة على حياة العالم العربي كما هو سائد بشكل فاقع.
في بداية العام 2012، أبلغ وزير الخارجية الروسي ومعه مستشار الأمن القومي، أحد الرؤساء العرب: أن "الأميركيين خطفوا في غفلة من الزمن كلاً من العراق وليبيا، ولكنهم لن يتمكنوا من سورية".
ولهذا عملت روسيا على دعم النظام السوري لثلاثة أهداف أولها الدفاع عن الأمن الوطني الروسي من خلال محاربة الشيشان على أرض سورية كون المعارضة السورية تحوي لواء شيشانياً وأذرياً قاتلوا النظام السوري مع المعارضة المسلحة وكانوا جزءاً منها وفي قيادتها، فعمل الروس على محاربة الشيشان بعيداً عن الوطن الروسي، وهذا ما دفع رئيس الوزراء الروسي للقول: إن معركتنا في سورية دفاع عن الأمن القومي لروسيا.
وثاني الأهداف الروسية منع مد أنبوب الغاز القطري إلى أوروبا عبر سورية لمنافسة أنبوب الغاز الروسي الممتد نحو أوروبا، ما يُؤثر على قدرات روسيا الاقتصادية والسياسية، أما الهدف الثالث فهو الصراع الاستراتيجي على المصالح الدولية ومناطق النفوذ في مواجهة السياسة الأميركية، في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وهكذا، قاتل الروس دفاعاً عن أمنهم الوطني خارج حدود بلادهم، في سورية ونجحوا في مواجهة السياسة الأميركية التي عملت على إسقاط النظام السوري بواسطة تنظيمات التيار الإسلامي: "الإخوان المسلمين" و"داعش" و"القاعدة"، خدمة لعدونا الوطني والقومي والديني: المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولم يفلحوا، وسقط رهانهم.