عن منظمة التحرير..!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

تحظى الدورة القادمة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي سينعقد نهاية الشهر في رام الله بقدر كبير من الجدل وخصوصا بعد إعلان الجبهة الشعبية اعتذارها عن المشاركة بنهاية حوار مع حركة فتح في القاهرة باعتبار أن الأولى هي الفصيل الثاني بمنظمة التحرير ما يفتح الجدل حول هذه الدورة، وخصوصا أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجامع لكل القوى والفصائل الفلسطينية منذ نشأتها ومنذ البدايات كما جرت العادة قبل أي دورة لمؤسساتها أن يجري قدر من التوافق بين الفصائل التي تمثل تنوع الشعب الفلسطيني وقواه ومؤسساته.
في خريف العام 2015 أعلن بشكل مفاجئ عن تقديم عشرة من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة استقالاتهم ما يعني تلقائيا الذهاب نحو عقد المجلس الوطني ليعيد تركيب المؤسسة، وقد كانت المناخات السياسية حينها غاية في الإحباط حيث انغلاق الأفق السياسي وبدء دخول إدارة أوباما عامها الأخير وإتمام اتفاقها مع إيران وانفلات العقال الإسرائيلي استيطانيا في غياب الرادع، كانت الاستقالات الجماعية عبارة عن صرخة احتجاج لا أكثر لكن الفصائل بما فيها الجبهة الشعبية والديمقراطية طلبت تأجيل الانعقاد وقامت بحملة زائدة جعلتها تعتقد آنذاك أنها السبب في التأجيل.
مع الإعلان عن عقد الدورة الجديدة نهاية نيسان ارتفعت الأصوات المطالبة بعدم عقده وتمهيد الأجواء بما يضمن أكبر مشاركة وخصوصا أن هناك اتفاقيات في القاهرة وبيروت تم توقيعها للعمل على إعادة بناء المنظمة بحيث تضم أوسع تمثيل للمؤسسات والأحزاب الفلسطينية، وخصوصا أن هناك تغيرات جرت في مياه نهر السياسة الفلسطينية فهناك فصائل جديدة ذات حضور على الأرض وهناك فصائل تآكلت شعبيتها ولم يبق سوى ممثليها في الطوابق العليا دون تواجد فعلي، آن الأوان لإعادة تركيب المنظمة من جديد.
وبغض النظر عن الجدل الدائر وحجم الانقسام القائم على المنظمة والتهديد بعقد اجتماعات موازية لكن المنظمة لم تعد هي المنظمة التي كانت قبل عقود، فقد تعرضت هذه المؤسسة إلى قدر من العوامل والظروف دفعتها للوراء وليس من المبالغة القول إن تلك العوامل دفعتها إلى هامش الفعل السياسي في الساحة الفلسطينية وبفعل تلك الظروف بعضها من داخل المنظمة وبعضها مرتبط بعوامل ومناخات أدت إلى تراجع مكانتها.
إن آخر القرارات المهمة التي اتخذتها منظمة التحرير الفلسطينية كانت منتصف تسعينيات القرن الماضي بتوقيع اتفاقيات أوسلو وبعدها تشكلت السلطة الوطنية التي زاحمت المنظمة على دورها وأصبحت عنوانا جديدا وموازيا للفلسطينيين، وترافق ذلك مع رغبة دولية بالتعامل مع السلطة وتهميش المنظمة فسيطرت السلطة على معظم المؤسسات التمثيلية كالسفارات والأموال والوفود والمؤتمرات والبعثات وكل شيء بحيث لم يبق من منظمة التحرير سوى اسمها ومؤسساتها القيادية العليا كالمجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية، أما الأولى والثانية فنادرا ما تجتمع أي منهما والتنفيذية بلا دور مركزي سوى اجتماعات تنتهي ببيان عام يؤكد على الحقوق والثوابت.
وفي ذروة غياب الدور الوظيفي للمنظمة منذ تشكيل السلطة وانحسار إمكانياتها تآكلت مع الزمن أذرع المنظمة واتحاداتها الشعبية التي كانت تتجهز قبل عقد دورة المجلس الوطني بورشات عمل في الداخل والخارج ومؤتمرات فرعية وعامة تنتخب ممثليها للوطني، حيث كانت دورته عبارة عن تتويج لورش كبيرة تشمل كل فعاليات الشعب الفلسطيني من اتحاد العمال الذي يعيش حالة كمون واتحاد الطلاب الذراع الأكثر فعالية واتحاد المرأة الذي تحول إلى مقرات مركزية فقط وهكذا.
أما آخر قرار اتخذته المنظمة فكان في الدورة الأخيرة للمجلس العام 1996 هو تعديل الميثاق الوطني وذلك كان تنفيذا للاتفاقيات التي سبقتها بثلاثة أعوام وبعدها بدأت مرحلة غياب وأفول منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يسأل أحد عن سر عدم عقد دورة للمجلس الوطني لأكثر من خُمس قرن فلم يكن الأمر مهما بالمعنى السياسي ولولا الخوف من فقدان النصاب القانوني للجنة التنفيذية مع وفاة عضوها غسان الشكعة والرغبة بتغيير بعض الممثلين ربما لم يكن أحد ليسأل عن ضرورة أو عدم ضرورة عقد دورة تأخرت اثنين وعشرين عاما لأن المؤسسة برمتها لم تعد فاعلة دون أن نخدع انفسنا بالحديث كثيرا عن دورها وأهميتها.
لقد تعرضت الجبهة الشعبية لسيل من الاتهامات على خلفية قرارها بعدم المشاركة وكأنها المسؤولة عن كل ما حدث لمنظمة التحرير من تآكل رغم حقها بالاعتراض عندما يجري عقد الدورة بعد كل هذا الغياب على عجالة، ولم يسأل الذين رفضوا موقف الشعبية سؤالا للجهة التي عطلت عقد المجلس وظلوا صامتين لاثنين وعشرين عاما أو حتى عن قرارات المجلس المركزي في كانون الثاني الماضي.
منظمة التحرير هي البيت المعنوي للشعب الفلسطيني وهي تقف على تاريخ من معارك الشرف الوطني وعشرات الآلاف من الشهداء، وهي من استطاع إحداث النقلة الأهم في التاريخ الفلسطيني بتحويل الشعب الفلسطيني من حالة إنسانية إلى حالة سياسية وفرضت حضوره على خارطة العالم وليس هناك خشية من بدائل للمنظمة لكن الخشية من أن انحسار دورها وخصوصا في الخارج يحدث حالة من الفراغ السياسي لجزء كبير من الشعب الفلسطيني ولأن السياسية لا تعرف الفراغ من الطبيعي أن نشهد أسئلة التمثيل في الخارج إلى الدرجة التي نجد أنفسنا أمام أجسام سياسية خارج إطار المنظمة بل ويمكن أن تفكر أن تكون موازية لها كما حاولت في إسطنبول العام الماضي هذا هو السؤال الأبرز المطروح على المنظمة: كيف يمكن أن تكون ممثلة لكل الشعب الفلسطيني مؤيدا أم معارضا في الداخل أم في الخارج.
أما استمرار حالة التراجع القائمة واستمرار القبول بدور السلطة على حساب المنظمة ودورها هذا يعني تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى مؤسسة رمزية فقط كما يردد البعض والموافقة على تآكل حضورها وهنا ليس المسؤول عن ذلك الفصائل خارج المنظمة أو التي تعلن احتجاجها بعدم حضور الدورة الجديدة، بل المسئول هما الفواعل في المنظمة وفي السلطة بالرغم من معرفتنا أن المناخات التي تدحرجت في ربع القرن الأخير كان لا بد أن تحدث تغيرات في البنى السياسية للشعب الفلسطيني فبعد أن تشكلت إسرائيل تراجع تماما دور الوكالة اليهودية .. ولكن إسرائيل قامت أما الدولة الفلسطينية فلم تقم بعد.
شئنا أم أبينا علينا الاعتراف بأننا نشهد أفول عصر منظمة التحرير ولكن هل بفعل العوامل الذاتية وإيجاد بدائل فلسطينية تقوم بدورها الوظيفي الذي يخلق المؤسسة كما يقول علماء الاجتماع السياسي أم بفعل المناخات السياسية الجديدة التي دفعت باتجاه هذا الأفول؟ ربما بالاثنين معا، لكن الحديث عن إعادة إحياء المنظمة حنينا لماضي ما قبل السلطة هو حديث بعيد عن واقع إعادة توزيع عناصر القوة في النظام السياسي الفلسطيني وانزياحاته وقراءة مناخات التغيرات السياسية في ربع القرن الأخير، ومع ذلك لأننا لم نتجاوز مرحلة التحرر فإن الحديث عن دور المنظمة يبقى قائما.!