إما وقف الحرب أو تحولها إلى حرب إقليمية

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 


ربما كان ما قاله رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية الشيح محمد بن عبد الرحمن لست من عائلات المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس في غزة، بمثابة نقطة التحول، ليس في هذا الملف وحسب، ولكن في سير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على شنها بكل ما تحتويه من قسوة وقتل جماعي متعمد، بل وما تتضمنه من كل أنواع وأشكال جرائم الحرب، وذلك منذ يومها الأول، وإلى أن تتوقف، ليس برغبة حكومة الحرب الإسرائيلية، ولكن بإجبارها، وهي التي قد صار ظهرها للحائط، وسارت على طريق التطرف والعنف والإجرام الحربي، إلى أبعد مدى، وبعد أن توغلت في ملف الجريمة بحق الإنسانية، ولم يعد لها من خيار سوى مواصلة الطريق إلى نهايته، تماماً كما فعل كل الطغاة، ممن حاولوا فرض السيطرة على العالم، من قبل، ولأنها تعلم أن لحظة وقف الحرب، دون أن تحقق المستحيل الذي تسعى إليه، يعني أن تسقط هي في اليوم التالي مباشرة.
أما ما قاله المسؤول القطري الوسيط بين المتحاربين في ملف تبادل المحتجزين مع الأسرى الفلسطينيين، فهو أن الحديث مع حماس بات صعباً بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة الشيخ صالح العاروري، وكان ذلك الرد  - بتقديرنا - رداً دبلوماسياً، مع أن هذا الملف كان قد أغلق تقريباً من قبل، أي من قبل اغتيال العاروري، فبعد أن تم تنفيذ الدفعة الأولى في نهاية شهر تشرين الثاني الماضي، مع هدنة إنسانية توقف القتال خلالها لمدة أسبوع، سحب بنيامين نتنياهو رئيس الموساد دافيد برنياع، ثم واصل الحرب بعد انتهاء عملية التبادل، ووسع هوة الخلاف مع جميع حلفائه، في داخل إسرائيل ومع الأميركيين، ثم مع مواصلته للحرب بما في ذلك قتل بعض من المحتجزين، وفشل الجيش الإسرائيلي في تحرير ولو محتجزاً واحداً عبر الحرب، كل ذلك أدى إلى تصاعد حالة الاحتجاج لدى عائلاتهم.
أما حماس، فقد تعلمت الدرس جيداً، فإسرائيل لم تقم باستغلال فرصة التبادل الأولى لتكون لها مخرجاً من «ورطة الحرب»، من خلال تتابع حلقات التبادل، وكان تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، أحد أهم دوافع عملية «طوفان الأقصى»، فـ»حماس» لم تهدف من وراء تلك العملية، لا إلى احتلال أراضٍ إسرائيلية، ولا ممارسة القتل من أجل القتل، ولا أسر الإسرائيليين لتعذيبهم في سجونها، بل سعت إلى إجبار إسرائيل على الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين الذي يقبعون في سجونها منذ عشرات السنين، دون وجه حق، ورغم أنهم أسرى حرب إلا أنهم يتعرضون لكل الانتهاكات التي لا تراعي أدنى حقوقهم المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف.
لذلك فإن حماس، توقفت عند المحاولة القطرية - المصرية الثانية لإجراء عملية تبادل، تتخللها هدنة إنسانية كسابقتها، لكنها رفضت، وطالبت بوقف الحرب أولاً، وقد أكدت ذلك من خلال رفضها التفاوض في ظل الحرب، وثانياً، قالت بعملية تبادل الكل مقابل الكل، دون تجزئة ثانية للمحتجزين، أي الفصل بين من هم مدنيون ومن هم عسكريون، ومن هم نساء ومن هم رجال، خاصة والجميع يعلم أن الإسرائيليين المدنيين هم جنود احتياط، والنساء كذلك مثل الرجال في هذا الأمر، ولم ينفع إسرائيل إعادتها لرئيس الموساد للدوحة مجدداً، كما كانت المبادرة المصرية محاولة لتجاوز ذلك الاستعصاء، الذي كانت عقدته هي تحرير المحتجزين كلهم مدنيين وعسكريين، رجالاً ونساء، مقابل وقف الحرب وتحرير كل الأسرى الفلسطينيين.
هكذا جاءت عملية اغتيال العاروري لتغلق الملف تماماً، وتضع مسار الحرب برمته أمام منعطف حاد، خاصة وأن نتنياهو وكابينيت الحرب أرادا من عملية الاغتيال أن تجدد الحيوية في أوصال شن الحرب بعد أن راوحت مكانها، وبعد أن تأكد تماماً كل ما كان متوقعاً من أنها لن تنجح في تحقيق أي من أهدافها العسكرية والسياسية، ليس فقط لأن تلك الأهداف غامضة، وذلك لتعمد الفاشيين من قادة العدو، أي الجناح المتطرف، الذي يريدها حرب تطهير عرقي، وحرباً لإفراغ قطاع غزة من سكانه تمهيداً لضمه لإسرائيل، وليست حرباً كما يشيع ضد حماس، لكسب تأييد الأميركيين والغرب، والكثير من القوى في الداخل الإسرائيلي، أي أن نتنياهو وجد في اغتيال العاروري «نجاحاً ما»، أو إنجازاً يساعده على الاستمرار في الحرب، التي تدرأ عنه شبح الخروج من الحكومة.
وقد طال الاغتيال أحد قادة حماس المركزيين، خاصة وأنه قائد حماس في الضفة الغربية الذي عزز خيارها بالمقاومة المسلحة، وهو في الوقت نفسه قنطرة الوصل بين الجناح العسكري ومحور المقاومة، مقابل الجناح السياسي الأقرب لدول عربية وإقليمية معتدلة، أي قطر وتركيا. لكن عملية الاغتيال تضمنت خطراً تمثل في كونها وقعت في الضاحية الجنوبية من بيروت، وهي معقل حزب الله، أي أن العاروري اغتيل وهو في حمى حزب الله، وربما كان نتنياهو وأركان حربه قد تعمدوا هذا، لأنهم يسعون أصلاً إلى الزج بأميركا في حرب إقليمية واسعة، يكون طرفاها أميركا وإسرائيل وربما دول أخرى من جانب - وهم على الأقل أخذوا ذلك الاحتمال بالحسبان، حين سحبوا ثلاثة ألوية عسكرية من غزة وقالوا إنهم سيرسلونها إلى الشمال - وإيران ومحور المقاومة الإقليمي من الجانب الآخر، وما زاد من خيار توسع الحرب على غزة لتتحول إلى حرب إقليمية وربما إلى حرب عالمية ثالثة، هو أن عملية الاغتيال ترافقت مع استهداف الأميركيين لثلاثة زوارق يمنية، ما أدى إلى استشهاد عشرة جنود يمنيين، مع استهداف الأميركيين لأحد قادة الحشد الشعبي في بغداد، وهو أحد قادة فصيل «النجباء»، والأخطر ارتكاب جريمة التفجير في كرمان الإيرانية بما أودى بحياة المئات من المواطنين الإيرانيين الذين كانوا يقومون بإحياء ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، عند مرقده في تلك المدينة.
بعد كل هذه الوقائع، أعلن السيد حسن نصر الله، بهدوء، أن الرد والعقاب، على اغتيال العاروري في الضاحية آتٍ دون ريب، وقد بدأ الرد بإطلاق مجموعة صواريخ غير مسبوقة منذ ثلاثة أشهر، واستهدف   قاعدة ميرون الجوية، وهي أهم نقطة مراقبة أمنية/عسكرية إسرائيلية في الشمال، أما الحوثي فقد أعلن أنه لن يتوقف عن حصار إسرائيل بحرياً ومنع كل السفن التجارية الذاهبة إلى موانئها، عبر بحري العرب والأحمر، أما إيران فما زالت تمارس سياسة ما سمّاه مرشدها الصبر الاستراتيجي، لأنها لا تريد أن تكرر خطأ صدام حسين، فتدخل الحرب مع إسرائيل قبل أوانها، أي قبل أن تمتلك الرادع النووي، والذي رغم نجاح إسرائيل في إفشال محاولة بايدن قبل ثلاث سنوات من تجديد الاتفاق الخاص ببرنامج إيران النووي، إلا أن حرب روسيا مع أوكرانيا أولاً والحرب الإسرائيلية على غزة الحالية، منعتا إسرائيل من دفع الأميركيين لمواصلة الضغط على إيران، من أجل تبديد برنامجها النووي، بشقيه العسكري والاقتصادي.
وحيث إن الحروب والصراعات عادة تنشأ بين الدول، وبين بعض الدول والشعوب المحتلة، استناداً إلى طمع التوسع والسيطرة والأنانية، فإن حرب إسرائيل المدعومة أميركياً تتجلى فيها كل دوافع السيطرة والأنانية والعنصرية، وغني عن القول التذكير بأن إسرائيل وأميركا لا تساويان بين حياة وحقوق الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا بين ما يحق لهما وما يحق لغيرهما، فأميركا أجازت لنفسها، أن تزج بحاملات طائراتها لحماية إسرائيل من مجرد احتمال شن حرب عليها، ومنذ اليوم الأول شيدت جسراً جوياً /بحرياً لإمداد إسرائيل بقذائف وذخائر الحرب التي تقتل بها إسرائيل المدنيين في غزة، وهي تساند إسرائيل للتفرد بغزة على طريق إبادتها ومسحها من الوجود، وهذا ما تعنيه بعدم توسيع رقعة الحرب، وفي نفس الوقت ترى في منع الحوثي اليمني للسفن التجارية من الذهاب لإسرائيل طالما إسرائيل تمنع الغذاء والدواء عن أهالي غزة، تهديداً للملاحة الدولية، مع أن الحوثي يستهدف فقط تلك السفن التي تذهب لإسرائيل فقط، وأميركا تحيد عن الطريق الوحيد الذي يفضي إلى عدم توسيع الحرب، وهو وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، ذلك أنه بعد ثلاثة أشهر وبعد كل تلك التطورات، لن يسمح محور المقاومة بسحق غزة تماماً، فللصبر الاستراتيجي حدود، وما على أنتوني بلينكن الذي سارع مجدداً للقدوم إلى الشرق الأوسط إلا أن يدرك أنه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما وقف الحرب على غزة، وإما تحمّل تبعات توسعها وتحوّلها لحرب إقليمية وحتى لحرب عالمية ثالثة كما توقع دونالد ترامب خصم بايدن الانتخابي.