إيماناً منها بأن التجربة المسرحية يجب أن تصل لكل طفل فلسطيني في يوم من الأيام ، تأسست «أيام المسرح» في العام 1995 كبذرة زرعت في القدس ما لبثت أن امتدت فروعها بمدرسة تعليمية فنية ومسرح مهني في كل من الخليل وغزة، لإخراج أحلام الشباب والأطفال والنساء من حدود المنام إلى طموح الخيال ، وفتح المجال وتعبيد الطريق أمام الأطفال لإعادة صياغة أحلامهم برؤيتهم الخاصة وتعبيرهم الحر.
وخلال مسيرة عقدين ، استقل فيها فرعا المؤسسة في الخليل (بمسرح نعم) والقدس (بمسرح الجيب) صرحين فنيين بإدارات ناشئة كفؤة، أصبحت أيام المسرح اليوم تعمل حصرياً في غزة ضمن برامج عديدة لتنفيذ رؤيتها على أرض محاصرة ، مع الأطفال والشباب سواء بالإشراك أو التعريض للمسرح، مستلهمة القضايا الأساسية منهم، محاولة إعادة صياغتها مرة أخرى لنقدها أو تعزيزها ، أو حتى مجرد طرحها بشكل فني وإبداعي.
وإلى جانب إدخال الحركة المسرحية الفلسطينية للقطاع التربوي ، فإن مؤسسة أيام المسرح تعد أيضاً شريكاً في السياق التعليمي في مدارس القطاع ، من خلال مجموعة من البرامج التشاركية مع الأطفال والمعلمين على حد سواء.
فللطفل، تقدم المؤسسة ورش الدراما والعروض المسرحية كإحدى الوسائل التعليمية والتربوية التي تدخل في نطاق التربية الجمالية والتربية الخلقية ، فضلاً عن مساهمتها في التنمية العقلية ، إلى جانب اهتمامـها بـالتعليم الفني للنشء منذ مراحل تكوينهم الأولى داخل المدرسة وخارجها.
أما للمعلم فتقدم أيام المسرح تدريبات لاستخدام أساليب الدراما في العملية التعليمية، كونها أكثر قدرة على التوصيل من اكتساب المقـروء ، وتعطي الأطفـال الفرصة لممارسة خبراتهم التخيلية، وإيجاد حلول بديلة.
إضافة إلى ذلك، فإن طاقم مؤسسة أيام المسرح، يضع سبل التعبير عن النفس في سياقات مبتكرة، وليس فقط المسرح التقليدي، فهو يقدم مشاريع الرسوم المتحركة (animation) بقصص تكتبها وتصورها وتخرجها أنامل صغيرة، تحت إشراف المدربين، فيكون خراجُها فيلماً كرتونياً يعرضه الأطفال بفخر أمام زملائهم ومدرسيهم وذويهم في احتفالية ثقافية مدرسية فاتحة الباب لنقاش حر بين الأجيال.
وعلى الرغم من بساطة الإمكانات التقنية التي من الممكن أن تحول هذه الإنتاجات الكرتونية العديدة من مجرد مشروع بسيط إلى نقلة نوعية في تحريك الرسوم في فلسطين، فإن المواضيع التي تطرح في هذه الرسوم هي، في الحقيقة ، تعبير هؤلاء الأطفال عن ذواتهم في منطقة جغرافية تكاد تكون سبل الحياة فيها معدودة على أصابع اليد الواحدة.
ولم يتوقف الأمر على الممارسة العملية للأنشطة المسرحية ، بل كانت المؤسسة سباقة حين وضعت لها دورين إضافيين، أولهما التدريب المسرحي وتطوير القدرات الفنية للشباب المهتم، ما جعلها المدرسة المسرحية الفنية الأولى في غزة ، وثانيهما تشكيل وعي مسرحي عند الأطفال والشباب وأولياء الأمور، من خلال ورش عمل تعريفية وحملات توعوية تقرب الناس من المسرح، من خلال الحديث المباشر والحوار المفتوح.
ولعل هذا ما جعل أهل غزة يحتضنون المؤسسة بشكل أكبر ، فما تفعله المؤسسة من حركة اجتماعية وثقافية وإنسانية بشكل أساسي، هو حجر الثقة بينها وبين والجمهور ، وهذا ما وضع وزراً أكبر عليها في اختيار ما تقدمه للجمهور بدقة.
وبأسلوب مستحدث لتقديم نفسها ، تسعى مؤسسة أيام المسرح هذا العام بمشروع (عشرة طرق لتتعرفوا علينا) لتقديم عشرة إنتاجات مسرحية بشكل جدي ونقدي ، وبطرح مستوحى من واقع قصص أطفال غزة ، ينمي مدارك الطفل ويضعه أمام المعرفة الذاتية لاكتشاف نفسه والآخرين ... وسيكون هذا المشروع جزءاً من برنامج «أسابيع المرح الصيفي» الذي ستطلقه وكالة الغوث للاجئين في الخامس والعشرين من تموز، والذي من المتوقع أن يصل إلى عشرات الآلاف من طلاب القطاع.
وخلال الحرب الأخيرة على القطاع، توقفت كافة البرامج التي كان مخططاً لها في المسرح، إلى جانب كل سبل الحياة الأخرى بطبيعة الحال، إلا أنه، وفور انتهاء الحرب، وبطلب من وكالة الغوث الدولية، وبدعم من الحكومة الهولندية، قامت أيام المسرح بتنفيذ خطة إغاثة نفسية وأنشطة ترفيهية طارئة لتحقيق الشفاء النفسي وتخفيف الانفعالات المكبوتة عند الأطفال في المدارس، التي لجأ إليها الناس بعد تدمير بيوتهم.
وكتحفيز مادي ومعنوي من شبكة الفنون الأدائية في هذه الخطة، اتّفق كافة أعضاء الشبكة، في حينها، على تحويل ميزانية نشاط مشترك بين الأعضاء لأيام المسرح، كمساهمة من الشبكة في إعادة الحياة في نفوس الأطفال، وإخراجهم من حالة الرعب إلى حالة الصمود، ومن حالة الارتجاف إلى حالة من تعزيز الحياة في النفوس، وإعادة بناء الروح بشكل أو بآخر.
وإلى جانب ذلك، قامت المؤسسة بإعداد مجموعة من اللقاءات مع سيدات غزيات كن في ملاجئ خلال الحرب، للحديث معهن عن تجربة الانتظار خلال الحرب، ومن ثم قامت المؤسسة بترجمة هذه القصص والنصوص إلى مشاهد في المسرحية النسائية «صوت ...الآآآآآآآه»، وتمت دعوة السيدات أنفسهن لحضور العروض، الأمر الذي حول الحرب والعدوان في نفوس هؤلاء السيدات إلى ذاكرة مسجلة بتاريخ المشهد، وحولهن إلى بطلات بسبب البقاء على قيد الحياة.
ولأن هذا العام هو الذكرى العشرون لانطلاق أيام المسرح في غزة، سيتم الاحتفال بهذه المناسبة في خريف 2015 من خلال مهرجان الدراما الذي تنظمه المؤسسة سنوياً.
وكالعادة سيحضر المهرجان مئات الأطفال والمعلمين وأولياء الأمور لمشاهدة أفلام كرتونية ومسرحيات قصيرة أنتجها ويمثلها أولادهم وبناتهم. وتدعو المؤسسة كافة الشركاء في غزة إلى الانضمام إلى هذه الاحتفالية العزيزة على قلبها ، كما تتنمى في يوم ليس ببعيد ، أن يتمكن الشطر الآخر من العائلة الفلسطينية في الضفة الغربية أن يشاركها فرحتها وأعمالها.
جنوب أفريقيا تعد بتقديم أدلة تثبت جرائم "إسرائيل" في فلسطين
11 سبتمبر 2024