أدركت إسرائيل ومؤسساتها الحربية مؤخراً ، أنّه على الرغم من الدمار الواسع الذي ألحقه الجيش بقطاع غزة ، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين ، إلا أنّ ذلك وحده غير كاف لمنع نشوب مواجهة واسعة أخرى، وخاصّة أنّ منسوب التهديد قد يرتفع أكثر من أي مرحلة سابقة في حال شعور سكان القطاع بأنّه لم يعد هناك ما يخسرونه، في ظل استمرار الحصار الذي يمنعهم من إعادة بناء منازلهم ويحول دون استمرار تدفق ما يلبي حاجاتهم الغذائية والصحية.
وتُواصل قيادة الدولة العبريّة توجيه الرسائل التي تلوّح من خلالها بإمكان تكرار هجماتها التدميرية الواسعة، في حال تجرؤ رجال المقاومة في القطاع على استهداف مستوطنات الجنوب.
ومن ناحية أخرى، تحاول إسرائيل العمل على خفض مستوى حافزية فصائل المقاومة لاستخدام العمليات العسكرية كوسيلة ضغط لانتزاع أبسط الحقوق المعيشية والحياتية.
وضمن هذا الإطار، كشفت صحيفة (هآرتس) النقاب عن أنّه مع مرور عام على الحرب، تُفيد تقديرات الجيش بأنّ حركة حماس باتت بلا إنجازات جديّة ومعزولة سياسيًا، وعلاقاتها مع مصر لا تزال متوترة، وبالتالي، كما يُضيف المعلق العسكري في الصحيفة عاموس هرئيل، خلصت قيادات أمنية إسرائيلية إلى أنّه بالإمكان التوصل إلى هدوء طويل الأمد على طول الحدود مع غزة من خلال التسهيلات الاقتصادية الواسعة وإلغاء بعض القرارات في ما يتعلق بنقل البضائع التجارية وخروج السكان من القطاع.
و أوصت الأجهزة الأمنيّة في تل أبيب، بضرورة أنْ تسمح إسرائيل بعبور آلاف الفلسطينيين من غزة إلى خارج البلاد، من خلال معبر بيت حانون (إيرز)، ومن هناك إلى الأردن عن طريق جسر الملك حسين (جسر اللنبي)، وأن تزيد من كمية السلع الداخلة إلى القطاع من خلال معبر كرم أبو سالم ومن خلال معبر المنطار (كارني)، الذي لا يعمل حاليًا.
وعلاوة على ذلك، أوصت الأجهزة عينها، أيضًا، بضرورة منح الفلسطينيين المقيمين في غزة تراخيص عمل على مستوى واسع أيضًا، بحيث يتمكنون من الدخول للعمل في المناطق المحيطة بالقطاع.
وأما بخصوص خلفية طرح هذه الاقتراحات، استناداً إلى ما نقلته الصحيفة العبريّة عن مسؤولين إسرائيليين، أّنه في ضوء ذلك، سيكون من الممكن تحقيق الهدوء المطلوب في منطقة غزة، وهو ما من شأنه الحيلولة دون وقوع المعركة القادمة أو على الأقل تأخيرها.
ويستند هذا الاقتراح إلى إدراك أمني إسرائيلي، بأن الوضع الاقتصادي المزعزع في غزة هو أشبه بمادّةٍ قابلةٍ للاشتعال وخطيرة، من شأنها أنْ تشكل شرارة لإشعال الحرب المقبلة إن لم يعالج الأمر كما يجب.
وفي نفس السياق، أيضًا، يأتي ما قاله مسؤول إسرائيليّ رفيع المستوى لصحيفة (هآرتس) حول وجود علاقة قوية بين الوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ في غزة وبين الواقع الأمني. وبرأي المحفل عينه فإنّه "طالما بقيت المشاكل الاقتصادية الأساسية في غزة على حالها، ستظل فرصة اندلاع حرب أمرًا قائمًا دائمًا، من دون علاقة بحجم الردع الذي قمنا به في الحرب الأخيرة، حسب تعبيره".
و استبعد مصدر في قيادة الجيش الإسرائيليّ اندلاع مواجهة عسكرية مع (حماس) في الفترة القريبة، وقال إنّ الفرصة مواتية للتوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد في قطاع غزة، لافتًا إلى أنّ (حماس) ليست معنية بمواجهة عسكرية جديدة في الوقت الراهن. وخلُص إلى القول، إنّ ما أسماها بالجهات السلفيّة تحاول إحراج (حماس) من خلال إطلاق قذائف باتجاه إسرائيل لكي يرد الجيش الإسرائيلي عليها باستهداف مواقع لـ(حماس) وإحراج الأخيرة بعدم ردها على استهدافها، وشدّدّ على أنّه وفق المعلومات التي تملكها الأجهزة الأمنيّة، فإنّه حتى الآن لم تتمكّن حركة (حماس) من حفر أنفاق تصل إلى داخل العمق الإسرائيليّ، حسبما أكّد.