فتح جبهة الاقتصاد على إسرائيل

Rajab-Abusirriyeh
حجم الخط

كان في محاولة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، قبل بضعة أسابيع، التقدم بمشروع قرار لطرد اتحاد كرة القدم الإسرائيلي من الاتحاد الدولي لكرة القدم " الفيفا " مؤشراً على نضج فلسطيني مقاوم، بدأ ينظر إلى أن التحرر من الاحتلال يستوجب ممارسة المقاومة كفعل حياة، وعلى أن لها وجوهاً متعددة ومختلفة، لابد من تفعيلها جميعاً، حتى يتم طرد الاحتلال من كل تفاصيل حياة الفلسطينيين. 
ففي الوقت الذي فتحت فيه القيادة الجبهة الدولية، بشقيها السياسي والقانوني / الجنائي على إسرائيل، لابد من التفكير جدياً، وبنفس الدافع والهدف بفتح الجبهة الاقتصادية بشقيها: الشق المتعلق بالنهب والسرقة الاحتلالية  الإسرائيلية للثروات الطبيعية الفلسطينية، كذلك الشق المتعلق بتنمية الاقتصاد الفلسطيني ورعايته وتطويره باعتبار ذلك فعلاً كفاحياً تحررياً يندرج ضمن سياق الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وكذلك على أنه مقاومة، لا تقل أهمية وشأناً عن المقاومة المسلحة أو المدنية.
وحيث إن العالم بأسره يقر ويعترف بأن الوجود الإسرائيلي في كل أراضي الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، إنما هو احتلال غير شرعي، وأنه لا يجوز ولا يحق للاحتلال أن يقوم بأي فعل من شأنه تغيير معالم الأراضي المحتلة، فإن كل ما قام به الاحتلال منذ عام 1967 إنما هو غير شرعي، وبذلك فإن كل ما قام بأخذه من ثروات طبيعية، لابد أن يدفع ثمنه، ويكون ذلك من خلال رفع القضايا على الاحتلال لتجريمه بسرقة الأرض والمياه والثروات الطبيعية. 
في هذا السياق لابد أن تتشكل وعلى الفور مجموعات الضغط والمتابعة الاقتصادية بين صفوف الاقتصاديين ورجال الأعمال الفلسطينيين في كافة أنحاء الوطن الفلسطيني، وانطلاقاً من اعتبار كل المناطق والأراضي والأجواء وحتى بحر غزة الإقليمي، المحتلة منذ الرابع من حزيران أراضي محتلة وفق القانون الدولي، لا يجوز ولا بأي حال للاحتلال الأجنبي (الإسرائيلي هنا) أن يغير من معالمها أو أن يسرق منها شيئاً، وجمع الملفات التي تطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ذات الشأن والاختصاص، أولاً بوقف جرائم الاحتلال بحق الاقتصاد الفلسطيني، وثانياً بالتعويض عما جرى نهبه وسرقته من مياه وثروات وأراض.
مشكلة إسرائيل أنها تعاملت مع الضفة والقطاع والقدس على أنها أراض إسرائيلية "محررة"، واستندت على أن الفلسطينيين لن يفكروا بهذه الطريقة، أي طريقة المقاومة القانونية والسلمية في يوم من الأيام، ورغم أنها _ أي إسرائيل _ حاولت أن تدعم إجراءاتها الاحتلالية غير الشرعية واللا مشروعة، بإصدار قوانين من مثل ضم القدس، وقوانين الحاكم العسكري، بضم الأراضي لأسباب أمنية، إلا أن كل قوانين إسرائيل المتعارضة مع القانون الدولي إنما هي باطلة ومردودة عليها.
وللفلسطينيين في الموقف الأوروبي من المستوطنات بوصلة ودال، لذا يجب أن لا تكون "الداية احن من الوالدة" فلا يكون أحد أحرص على الشأن الفلسطيني من الفلسطينيين أنفسهم، فلا بد من متابعة فلسطينية لملف مقاطعة كل ما يخرج من المستوطنات الاحتلالية من ملاحقة اتحاد كرة القدم الإسرائيلي الذي يضم أندية من المستوطنات إلى كل البضائع والسلع المنتجة في المستوطنات، وهنا لا نكتفي بتغير "اللوجو" الذي يشير إلى منشأ السلعة أو البضاعة.
يقينا بأن احتلالاً خاسراً، أو على الأقل "مش جايب همه" لن يدوم ولا يبقى ولن يستمر، أما الاقتصاد الفلسطيني فإن تحرره من التبعية وانطلاقه على طريق التنمية سيقيم الدولة على الأرض، وهذا ما ينقصنا فقط، فكل الدنيا تعترف _ على الورق _ بدولتنا، كما أنه لا معنى لاستقلال سياسي دون استقلال اقتصادي.
أكثر من واقعة عرفتها البشرية تضمنت إلزام الدولة المستعمرة دفع تعويضات وتغريمها بمبالغ مالية وإجراءات مختلفة؛ جراء ما قامت به من فعل غير مشروع خلال احتلالها، أقله الاعتذار والتعويض. 
يكفي هنا أن نشير إلى أنه وفقاً لتقارير دولية خاصة بالبنك الدولي بهذا الخصوص، تحصل إسرائيل على نحو 1ر2 مليار دولار أميركي من المبيعات السنوية لمنتجات البحر الميت، وتقوم في الوقت نفسه بحرمان الاقتصاد الفلسطيني من استغلال الثروات المعدنية، ومصادر الطاقة (الصخر الزيتي، والرمال القطرنية- الإسفلت والبيتومين، والبترول، والغاز الطبيعي، والبوتاس، والبرومين، والصناعة السياحية على حوض البحر الميت، والاستثمار في القطاع الزراعي) والتي يبلغ مقدارها (962) مليون دولار أميركي. 
ومن شأنها في حال تمكن الفلسطينيين من الوصول إليها وإقامة مشاريعهم الاستثمارية الضخمة عليها، من إحداث تنمية اقتصادية مستدامة، فيما وأشارت دراسة للبنك الدولي صادرة في تشرين الأول 2013، إلى أن الاقتصاد الفلسطيني خسر نحو 75 مليار دولار على مدار 22 عاماً، جراء منع الفلسطينيين من استثمار المناطق المعروفة باسم (ج).
إسرائيل لم تتوقف عن العمل على اعتبار أن (الضفة الغربية جزء من دولة إسرائيل)، ولذلك فإن الأخبار تشير إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تنقب عن البترول في مستوطنة "حلميش" المقامة على أراضي المواطنين في قرية النبي صالح إلى الغرب من مدينة رام الله.
لابد إذا من قيام مجموعات فلسطينية ومؤسسات مختلفة لرصد وحصر كل ما قامت إسرائيل بسرقته من حقوق الفلسطينيين في المناطق والأراضي المحتلة منذ عام 67، الأراضي المصادرة، المياه، بوتاسيوم البحر الميت، كذلك تعطيل السياحة، وما إلى ذلك، وحتى الحقوق الشخصية، فكل من قضى نحبه أو اعتقل وحوكم وفق محاكم عسكرية منافية للقانون الدولي يمكنه أن يرفع قضية ضد إسرائيل مطالباً أولاً بإعادة الاعتبار ومن ثم بالتعويض.