واقعية التعامل الإسرائيلي مع قطاع غزة

حمادة- فراعنة
حجم الخط

12 تموز 2015


يرى وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق الليكودي موشيه أرنس أن شارون أخطأ حينما أختار الرحيل عن قطاع غزة، بهدف توفير أمن أفضل للإسرائيليين، وثبت فشل ذلك كما يقول أرنس من خلال ثلاث معارك شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة: الأولى العام 2008 وسمتها حكومة أولمرت «الرصاص المصبوب» والتي استمرت 23 يوماً وقتل خلالها ألف فلسطيني و13 إسرائيلياً. 
والثانية في كانون الثاني العام 2012، والتي أطلقت عليها حكومة نتنياهو «عمود السحاب» واستمرت ثمانية أيام، قتل خلالها ألف فلسطيني و6 إسرائيليين. 
والثالثة بادرت إليها أيضاً حكومة نتنياهو في 2014 وسمتها «الجرف الصامد» واستمرت 51 يوماً قتل خلالها 72 إسرائيلياً وأكثر من ألفي فلسطيني، واعتماداً على نتائج الاجتياحات الثلاثة، خلص موشيه أرنس إلى استخلاص مفاده فشل نظرية شارون، في ردع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، ولهذا يرى ضرورة دخول غزة بهدف القضاء على قدرة تنفيذ أي عمل مسلح من القطاع، وإعفاء سكان المستعمرات المجاورة من تهديد الصواريخ. 
في حين ان غيورا أيلاند مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق، يرى عكس ذلك تماماً، إذ يرى أن ثمة مصلحة مشتركة قائمة بين إسرائيل وحركة حماس، لأن غزة أصبحت بحكم الأمر الواقع دولة مستقلة، بكل معنى الكلمة، وأن «حماس» ليست منظمة إرهابية كالقاعدة، بل حركة سياسية انتخبت بشكل ديمقراطي، تمثل السكان ومدعومة منهم، ويقول: «مصلحة (حماس) هي أولاً وقبل كل شيء حزبية، فهي تريد أن تحقق شرعية دولية لحكمها في غزة، صحيح أننا أعداء، ولكن هذا لا يعني أن تضارب المصالح بينننا سيبقى بالمطلق، ولما كان هكذا فإن إسرائيل يمكنها أن تسمح لـ(حماس) أن تحقق مطلبها مقابل هدوء طويل المدى، الهدوء طويل المدى سيستمر إذا كنا سنخلق لـ(حماس) إلى جانب الردع حافزاً إيجابياً للحفاظ عليه أيضاً، حافزا لا يتناقض بالضرورة مع احتياجاتنا الأمنية»، وهذا يعني باختصار توظيف تطلعات حركة حماس الاستقلالية لقطاع غزة، مقابل التوصل إلى اتفاق مرحلي يوفر وقف إطلاق نار متبادلا ودائما، شبيه باتفاقات الهدنة التي كانت قائمة على الحدود الفلسطينية مع كل من لبنان وسورية والأردن ومصر منذ العام 1948 حتى العام 1967، وهي اليوم مستمرة في لبنان بين «حزب الله» وعدوه الإسرائيلي وفق اتفاق ترعاه الأمم المتحدة. 
وجهتا نظر لخبراء سبق وشغلوا مواقع عسكرية وأمنية لدى أجهزة ومؤسسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي تجعلهما ليس فقط يُقدمان كل منهما مشروعه ورؤيته استناداً لمعطيات، بل تجعل المهتمين والجمهور يستمع لهما باهتمام، وكل منهما يعتمد على المعطيات نفسها، ليصل إلى نتيجة مختلفة ويدعو إلى قرار مختلف، فالأول يدعو إلى إعادة احتلال قطاع غزة، بينما الثاني يدعو إلى تعزيز سلطة حركة حماس في قطاع غزة بما يتجاوب مع نزوعها الاستقلالي وشرعنة انفرادها في إدارة قطاع غزة، وكل منهما ينطلق من البحث عن تأمين أقصى مدى ممكن لأمن الإسرائيليين وتطلعاتهم. 
ما يدور خلف الكواليس، وعبر مفاوضات غير مباشرة، بين حكومة نتنياهو وحكومة حركة حماس مشروع اتفاق يعتمد على تفاهمات القاهرة التي تم التوصل إليها في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي يوم 21/11/2012، وتطويره نحو قاعدة «التهدئة مقابل الإعمار» فحركة حماس تعمل على ردع أي عمل مسلح من قطاع غزة ضد إسرائيل، سواء عبر اتفاق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى وخاصة الجهاد الإسلامي، وعبر ردع عنيف ضد الفصائل الجهادية المرتبطة مع تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، مقابل تحقيق غرضين استمرارية حكمها لقطاع غزة وفك الحصار التدريجي عن القطاع المحاصر، وهو هدف يساعدها على الوصول إليه كل من قطر وتركيا.
الوضع الفلسطيني مأزوم نظراً لانسدادات الأفق نحو التسوية مع الإسرائيليين، ونحو المصالحة بين الضفة والقطاع، ولا أحد أحسن من أحد، فكلاهما «فتح» و»حماس» عبر التفاهم المنفرد من طرفيهما مع عدوهما المشترك، يسعى لحماية سلطته في منطقته وتعزيزها في مواجهة بعضهما البعض، وعلى حساب بعضهما البعض، والثمن هو تكريس مشروع الاحتلال التوسعي وإدامته، وتآكل الحقوق الفلسطينية المشروعة وتأخير انتزاعها لسنوات طويلة من جوف الوحش الاستعماري الإسرائيلي.