بين نووي إيران ونووي دولة الاحتلال

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي ماكرون، قال رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو «انه يبذل كل ما في وسعه من أجل وقف العدوان الإيراني»، واصفاً إياه بأنه «التهديد الأكبر للعالم من خلال وجود سلاح نووي في ايدي نظام إسلامي متطرف».
ليس هذا التصريح هو الأول لنتنياهو، بل يأتي فوق هرم من التصريحات والمواقف له ولأركان حكمه وقادة جيشه وأجهزة أمنه في أكثر من مجال وأكثر من مناسبة.
ولم يبدأ الأمر بهذا التصريح، بل من زمن أبعد حتى من زمن الاتفاق النووي بين إيران والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا.
ولم تأت هذه التصريحات والمواقف في سياق رؤية وبرنامج يدعو مثلا الى إبقاء كل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها دولة الاحتلال، خالية من السلاح النووي. وإنما يأتي في وقت تمتلك فيه دولة الاحتلال، ومنذ زمن بعيد، اكبر ترسانة من الأسلحة النووية المتطورة، وتستمر بوصفها الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض الانضمام الى اي منظمة او هيئة دولية تعني بالانتشار النووي.
اذا كان السلاح النووي في ايدي نظام إسلامي متطرف كإيران يشكل التهديد الأكبر للعالم، وهو لا يزال في طور التكون، فماذا عن تهديد السلاح المتكون والموجود فعلا وبكميات كبيرة ومتطورة في ايدي كيان صهيوني متطرف قائم، هو أيضا، على ادعاءات وتهويمات دينية، إضافة الى عنصريته، وعدوانيته، وتوسعيته، واحتلاله؟ ألا يشكل تهديدا اكبر؟
وما الفرق بين طموحات ايران في النفوذ والتوسع الإقليمي بمنطق ومرجعية دينية،  وبين طموحات دولة الاحتلال في عموم الاقليم نفسه وقد تحولت، وتستمر بالتحول، الى وقائع ملموسة وحقائق على الارض من الاحتلال والضم والالحاق والتوسع ( في فلسطين وسورية ولبنان، وعينها على سيناء المصرية بتسلل موارب في ثنايا صفقة القرن ولتصب في خدمتها).
واذا كان الاتفاق النووي قد نجح في وضع بعض القيود والشروط والمواقيت على النشاط النووي الايراني، فان نشاط دولة الاحتلال النووي ما زال حرا من اي قيد او شرط دولي او اقليمي، او من اي نوع.
 تخوف دولة الاحتلال من خطر القدرة العسكرية والنووية الايرانية وتطورها حقيقة لا جدال حولها، حتى لو تأجل هذا الخطر لسنوات. خصوصا وان النظام الايراني يرفض الاقرار بمبدأ وجود دولة الاحتلال ويرفض الاعتراف بها والتعامل معها ويناصبها العداء السافر.
ان معركة دولة الاحتلال المفتوحة مع النظام الايراني من باب برنامجه النووي تتخذ من رؤيتها  للاوضاع في الساحة السورية ومسار تطورها واحتمالاته مدخلا اساسيا لها. فمن جهة تتمنى وتسعى أن تنجح المساعي لتخرج سورية بعد الإرهاب والعدوان بكل أشكاله وفاعليته، دولة ضعيفة عسكرياً واقتصاديا ومناطقها غير منسجمة ومتحدة تماما تحت سلطة مركزية واحدة.
ومن جهة ثانية، تجاهر بوقاحة شديدة رفضها بأي شكل وطبيعة لوجود إيراني، بالذات عسكري، في سورية وليس فقط على بعد كيلومترات معينة من حدودها. ومن جهة ثالثة تسعى بإصرار وباتكال على راعيتها الولايات المتحدة لكي تخرج من المولد بغنيمة ملموسة وهي الاعتراف بضمها للجولان، طمعا في موقعها وفي ثرواتها الطبيعية، بالذات المياه، وما يعد به باطنها من ثروات أهمها النفط والغاز وبكميات تجارية.
وانسجاماً وتحضيراً لنجاح هذا المسعى فقد بادرت الى بلورة خطة تحت اسم «نيوجولان» لمضاعفة عدد سكان الهضبة من الإسرائيليين الى 100 الف، وتأمين المحفزات لذلك: من تسهيلات ضريبية وتخفيض أسعار الأراضي ومد خط سكة حديد وغير ذلك.
غني عن القول ان دولة الاحتلال تخوض معركتها ضد إيران بالتوافق التام مع الولايات المتحدة الأميركية، ليس فقط فيما يتعلق بأمور الإقليم وسورية بالذات، بل أيضا فيما يتعلق بخروج أميركا من الاتفاق النووي مع إيران وتكاتف جهودهما في التعامل مع ارتداداته بالذات على مستوى الدول الاوروبية.
ان تعظيم دولة الاحتلال الخطر الايراني، والتركيز ان هذا الخطر لا يقتصر عليها فقط بل يمتد ليشمل كل دول وشعوب المنطقة. ان هذا التعظيم الموصوف بقدر ما يخدم ما تقدم ذكره من أهداف لها، وبالذات في سورية، فانه يخدم  في نفس الوقت أيضا، ما تستميت في  السعي اليه وهو تغيير اتجاه مركزية العداء لها والتناقض الرئيسي معها من دول وشعوب المنطقة - العربية بالذات- ودفعه باتجاه ايران.
بل انها تطمح الى اكثر من ذلك. انها تطمح، لكي تبني على تغيير الاتجاه هذا، نوع من التحالف مهما كانت درجته، مع دول المنطقة في مواجهة الخطر الإيراني المشترك. بما يمهد لتغيير الأولويات الراسخة في علاقات هذه الدول وشعوبها وفي المركز منه علاقة  العداء لدولة الاحتلال.
حتى الآن ورغم الكثير من ادعاءات ومناورات قيادات ورموز دولة الاحتلال عن وجود تفاهم او بداية علاقات مباشرة وتعاون مع هذه الدولة او تلك  في مجال التصدي المشترك لإيران، فانها لا تحقق نجاحا ذا قيمة. وما يزال المظهر الرئيسي والطاغي هو الصراع معها والإصرار على إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، وعلى التمسك بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وأولها حقه بالعودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ولا يلغي المظهر الرئيسي والطاغي المذكور حقيقة وجود خلافات وتناقضات وربما صراعات بين عدد من الدول العربية مع النظام الإيراني وطموحاته في المنطقة.