أخيراً أعلن عن التوصل إلى اتفاق تاريخي بين إيران والقوى العظمى (مجموعة خمسة زائد واحد) حول الملف النووي الإيراني والنقاط الجوهرية في الاتفاق تتمحور في موافقة إيران على أن يقوم موظفو الوكالة الذرية الدولية بالتفتيش في كل المواقع الإيرانية بما فيها العسكرية منها ولكن بعد التنسيق مع إيران، كما ستسمح إيران بالتحقيق في تجاربها النووية السابقة، وذلك في مقابل رفع العقوبات التدريجي عن إيران حيث سترفع العقوبات عن مشروع الصواريخ البالستية الإيرانية بعد ثمان سنوات وعن تسليح إيران بعد خمس سنوات، في حين أن الأمم المتحدة يمكنها أن تعود لفرض العقوبات على إيران خلال 65 يوماً من خرق الأخيرة للاتفاق. ويضيف الرئيس باراك أوباما نقطة اضافية تقول أن إيران ستخرج من أراضيها غالبية اليورانيوم المخصب.
هذا الاتفاق بدون شك سيدخل العلاقات الإيرانية- الغربية في عهد جديد مختلف عن سنوات طويلة من الشك والقطيعة والعقوبات، وهذا سيؤثر على خارطة المصالح الاستراتيجية في المنطقة من زوايا عديدة.فالأميركيون على لسان الرئيس أوباما كانوا الأكثر حماساً للاتفاق حتى من الإيرانيين أنفسهم ، وكما يقول أوباما هو انتصار للدبلوماسية الأميركية التي حققت إنجاز حتى لإسرائيل باغلاق الطريق أمام القنبلة النووية الإيرانية الموجهة ضدها.بل أن الحماس الرئاسي ذهب إلى حد تهديد الكنغرس من مغبة معارضة الاتفاق لأن هذا سيؤدي إلى استخدام الرئيس لحق النقض الذي يملكه لتمرير الاتفاق.وليس واضحاً كيف سيوظف الأميركيون الاتفاق لخدمة مصالحهم في العراق وسورية واليمن ودول الخليج وفي لبنان وفلسطين. ولكن من الطبيعي أن يحدث هذا التطور تغيراً استراتيجياً مهماً في العلاقات الإقليمية والدولية قد يأخذ بعض الوقت حتى تظهر نتائجه بصورة واضحة. وإيران نفسها تعتقد أنها على أبوب عهد جديد يقر فيه لها العالم بكونها قوة إقليمية مركزية لا بد أن تؤخذ مصالحها بالحسبان.
مهما تكن تفاصيل الاتفاق فايران كسبت وقتاً تستعيد فيه بناء اقتصادها وتطوير قواتها ووقدراتها العسكرية وتصبح لاعباً اقليمياً مؤثراً وهي كذلك الآن على الأقل في الملفين العراقي والسوري. ولكن هذه المكانة الإيرانية الجديدة لا تروق لدول عربية عديدة وخاصة دول الخليج ولإسرائيل التي ترى في الاتفاق اخفاقا دوليا واقرارا بوضع إيران على حافة النووي، وهي التي كانت تتمنى أن تسخدم القوة ضد إيران، وفي حالة دول الخليج وإسرائيل هناك غضب على الولايات المتحدة التي تبدو لهذه الدول كمن يبيع حلفاءها. وما يهمنا في هذا السياق هو رد الفعل الإسرائيلي وماذا ستفعل إسرائيل تجاه الاتفاق وما يترتب عنه.
الحكومة الإسرائيلية اعتبرت الاتفاق انتصاراً كبيراً لإيران و خطراً وجودياً على إسرائيل وبعض الوزراء توقعوا أن تمتلك إيران قنابل نووية بعد عشر سنوات، والمعارضة تفاوتت مواقفها بين رؤيته خطراً على إسرائيل أو مثيراً للقلق ولكنها أجمعت على فشل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في معالجة الملف وخاصة في مواجهة الولايات المتحدة والتدخل في شؤونها الداخلية وخسارة دعمها لموقف إسرائيل. وبعيداً عن المواقف المعلنة لكل الجهات الإسرائيلية ستحاول إسرائيل الرسمية استثمار الاتفاق وتوظيفه في خلق تحالف إقليمي بينها وبين بعض دول الخليج التي على خلاف مع إيران والتي تواجهها في سورية واليمن ومناطق أخرى. ويطمح الإسرائيليون إلى الوصول إلى نوع من تطبيع العلاقات مع أكبر عدد من الدول العربية تحت هذا العنوان.
مرة أخرى سنجد أنفسنا أمام تعاطٍ إسرائيلي محرفٍ مع المبادرة العربية للسلام التي تنص على انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها في عام 1967 وايجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين على اساس القرار 194 مقابل إقامة سلام وتطبيع علاقات عربي وإسلامي معها. وإسرائيل التي تجاهلت المبادرة العربية منذ عام 2002 وتعاملت معها باستخفاف وبشكل سلبي تكتشف الآن أنها يمكن أن تكون مدخلاً لتحقيق مصالحها، ولكن من خلال البدء بالتطبيع وترك حل القضية الفلسطينية للزمن، بل أن بعض الإسرائيليين يطرحون القيام بتكوين إطار إقليمي للتفاوض حول حل الصراع أي أن العلاقات مع العالم العربي تسبق أي بحث حول التسوية، وبطبيعة الحال بدون اي ضمانات بأن التسوية ستنجز في نهاية المطاف، على طريقة رد إسرائيل على طلب الاتحاد الأوروبي البدء بمفاوضات معها حول الوضع في الضفة الغربية. فالرد الإسرائيلي كان إيجابياً على شرط أن يتركز النقاش حول تحسين الوضع الإقتصادي في الضفة بينما كان الأوروبيون يريدون بحث كل الملفات ومنها القدس والمستوطنات. وفي هذا السياق اشترطت إسرائيل عبر رئيس قسم أوروبا في الخارجية الإسرائيلية الذي التقى سفير الاتحاد الأوروبي قبل حوالي اسبوع، أن تجري المفاوضات على مستوى تقني بسيط، وألا تتطرق المفاوضات إلى قضايا تتعلق بالحل الدائم.
القلق هو من اقدام بعض الدول العربية على التعاطي مع الطروحات الإسرائيلية على قاعدة عدو عدوي صديقي، وتبدأ في التنسيق وإقامة علاقات مع إسرائيل تحت حجج وذرائع مختلفة، وتنسى هذه ملف الصراع والقضية الفلسطينية وتترك الفلسطينيين غارقين في خلافاتهم وانقساماتهم بدون أي غطاء أو دعم عربي للموقف الفلسطيني، وهكذا تحقق إسرائيل اكثر مما تطمح له في الملف النووي الإيراني وهي الآن تتمتع بوضع لا مثيل له، وخاصة إذا تم الاتفاق مع حركة «حماس» على وقف اطلاق النار فهي تحصل على الأمن والإستقرار دون مقابل ومشروعها سيستمر.