في الديموكتاتورية الانتخابية.. تركيا أردوغان

التقاط.PNG
حجم الخط

 

فاز أردوغان، محكماً قبضته على النظام السياسي التركي، بعد جملة التعديلات الدستورية التي طالب بها وأقرها الناخبون الأتراك في نيسان 2017. وربما لو لم يكن هو رجب طيب أردوغان بكاريزمته وبراعته وأيديولوجيته وسياساته الخارجية والداخلية، وكان شخص آخر لما استطاع إنجاز هذا الفوز وتحويل ملامح النظام السياسي التركي في انعطافة حادة منذ قيام الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك قبل أكثر من تسعين عاما.

صحيح أن أهل تركيا أدرى بشعابهم فهم من اختاروا وهم من يتحمل نتائج اختيارهم إيجاباً كان أو سلباً، ولكن في أية انتخابات ديمقراطية هناك تساؤلات مشروعة: مثلاً هل ستتأثر نتيجة الانتخابات لو لم يكن أردوغان رئيساً حالياً بمعنى سيطرته على كافة مناحي الحياة بدءا من الأمن وحتى الاعلام وما يلحق بذلك من مميزات تساعده على الفوز ؟؟ أو هل ستكون نتيجة الانتخابات نفسها في حال تواجد عشرات الآلاف من المعارضين القابعين في السجون التركية بحجة موالاتهم لانقلاب 2016؟

على العموم تبقى تقديرات الإجابة في علم الغيب فهي تحتمل كلا من الإثبات والنفي بنفس الدرجة.. ففوز الرئيس الأمريكي ترامب على سبيل المثال كان مفاجأة لعائلته قبل أن يكون للعالم.

كما أن التساؤلات السابقة لن تقدم أو تؤخر في الواقع التركي لأن فوز الرئيس أردوغان بجولة واحدة بنسبة 52% مقابل 31% لمنافسه الأقوى وبمشاركة انتخابية منقطعة النظير بلغت أكثر من 87% هو علامة فارقة ليس على صعيد تجديد ثقة الناخب التركي بأردوغان وسياساته، وتفويض سياسي له من الشعب فحسب، بل على صعيد الإقليم أيضاً خلال الخمس سنوات المقبلة لأن انعكاسات هذه الانتخابات ونتائجها ستلقي بظلالها على المنطقة وما فيها من تحالفات ومحاور.

تركيا منذ العام 2002 أي منذ تولي رجالات حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم بثالوثهم أحمد داوود أوغلو وعبد الله غول ورجب طيب أردوغان "أصحاب الياقات البيضاء" كما يطلق عليهم، استطاعت أن تكسر حاجز العزلة الذي فرضته على نفسها خلال عقود طویلة وأن تحقق نجاحات اقتصادية باهرة وامتدادات سياسية جعلت لها حضوراً قوياً على المشهد الشرق أوسطي والعالمي على السواء، وذلك من خلال تبني الحزب لرؤية استراتيجية عالمية مركزها تركيا وعمقها الاستيراتيجي الشرق الأوسط وشعارها "صفر مشاكل" مع الجيران!! وأدواتها موقعها الجغرافي وتاريخها العثماني وتجربتها الاقتصادية الفريدة التي استطاعت أن تصل بتركيا إلى مصاف الدول المتقدمة بعد أن كانت عاجزة اقتصادياً.

أما الخواء والعجز العربي فللأسف كان قوة دفع بازدياد لصعود الدور التركي ومحاولة ملء فراغ وتخاذل مهين في قضايا عربية في الصميم أبرزها القضية الفلسطينية.

ولا عجب أن هذه الانجازات فتحت شهية الطموح السياسي لأردوغان فالزعامة لا تحتمل إلا قائداً واحداً، فقام بتحييد صديقيه القديمين أوغلو وغول واستمر هو في الصعود باستغلال ذكي لكافة المتغيرات الجيوسياسية الإقليمية والظروف الاقتصادية والأمنية التي مرت بها تركيا، وطبعاً كان للكاريزما دوراً بارزا في إحكام قبضته على السلطة والقدرة على تجييش الشعب بخطابات رنانة.

تركيا اليوم هي تركيا أردوجان، والأيام المقبلة ستشهد تكريسا للسياسة التركية نحو الشرق وتحديداً الخيار الأوراسي أي الصين وروسيا وإيران اللاعبون المؤثرون الكبار، لأن الوقوف على أبواب الاطلسي والغرب لم يعد يجدي نفعاً في نظر الرئيس أردوغان. ورغم أن سياسة "صفر مشاكل" وكسب الأصدقاء ذهبت أدراج الرياح مع التدخلات في الأزمات العربية، إلا أن هذا لا ينفي أن تركيا ستبقى حاضرة كلاعب وقوة اقليمية ولكن حدود هذا الدور سيبقى محدوداً في إطار التحالفات والمحاور في المنطقة والشرق.. ولم لا فالعالم كله يتجه نحو الشرق وأوراسيا.