الاندبندنت: بعد فشل اتفاق أوسلو وانهيار حل الدولتين، هل بقيت إهانة أخرى لم توجه للفلسطينيين؟

صفقة القرن.jpg
حجم الخط

نشرت صحيفة "الاندبندنت"  البريطانية، اليوم الجمعة، مقالًا للكاتب روبرت فيسك، تناول فيها مساعي الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو ما يعرف بـ" صفقة القرن" وآثارها المحتملة.

وتساءل فيسك في مقاله: "بعد فشل اتفاق أوسلو وانهيار حل الدولتين، هل بقيت إهانة أخرى لم توجه للفلسطينيين؟"

وقال، إنه "بعد فترة طويلة من الاستيطان الإسرائيلي للأراضي التي سُرقت من العرب وبعد اتفاقات متغيرة ومفاوضات متقطعة فُرضت على الفلسطينيين .. أي درجة من الاحتلال يجب أن يعيشوا تحته؟.

وبعد عمليات القتل الجماعي في غزة وقرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في الآونة الأخيرة نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل، ماذا بقي ليقبل به الفلسطينيون؟.

وسخر فيسك من صفقة القرن مشككا في إمكانية قبول الفلسطينيين بتسوية الصراع مع إسرائيل مقابل المال بعد ثلاث حروب بين العرب وإسرائيل وعشرات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين، كما تحدث عن "جاريد كوشنر" صهر ترامب ومستشاره، ويسميه ولي العهد الأمريكي الذي يعد الفلسطينيين بمليارات الدولارات مقابل وطنهم.

وقال فيسك، إن كوشنر تسيطر عليه الأوهام إن كان يعتقد أن هذه الصفقة ستنجح، فالفلسطينيون الذي خسروا وطنهم قبل نحو 70 عاما لم يتظاهروا مرة واحدة في شوارعهم المدمرة طلبا لشوارع أفضل أو مناطق حرة خالية من الضرائب.

فكيف يمكن لكوشنر أن يهين كل الشعوب العربية بمطالبتهم مقايضة حريتهم واستقلالهم وسيادتهم وكرامتهم وهويتهم مقابل المال"، بحسب ما أوردته بي بي سي.

وفي سياقٍ متصل، حذر خبير إسرائيلي وجنرال بالاحتياط من أن "صفقة القرن" تحمل اسم  دونالد ترامب، لكنها من إنتاج رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وأنها ستلقى فشلا حتميا وستصب الزيت على النار بدلا من تسويته، مشددا على أن نتنياهو منذ بلغ سدة الحكم وهو يتهرب من تسوية الصراع مع الفلسطينيين.

وأكد الجنرال الإسرائيلي في الاحتياط شاؤول أرئيلي في برنامج للقناة العاشرة، على أن "صفقة القرن" تحمل اسم ترامب لكنها في الواقع من صناعة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وأن بصماته عليها لا يمكن التستر عليها.

وأوضح أن "صفقة القرن" سلة تحمل أفكار نتنياهو حول مستقبل الضفة الغربية التي تحول دون تسوية الصراع بل تعيد طرفيه للوراء. 

شاؤول أرئيلي المؤيد لتسوية الدولتين، حذر من تبعات خطيرة لفقدانها على مستقبل إسرائيل، ينقل عن مصادر إسرائيلية عليمة قولها إن "صفقة القرن" تشمل القدس موحدة بشطريها كعاصمة لإسرائيل. كما أنها تبقي منطقة الأغوار تحت الاحتلال الإسرائيلي وتبقي على عدد أكبر من المستوطنات تماما وفق تصريحات سابقة لنتنياهو.

وأشار، إلى أن "صفقة القرن" تبنت رؤية نتنياهو الأمنية أيضا المتمثلة بإقامة دويلة فلسطينية على قسم من الضفة الغربية تكون منزوعة السلاح ومحدودة السيادة بعد شطب حق اللاجئين بالعودة لديارهم. ويراجع أرئيلي مضامين "صفقة القرن" ويؤكد أنها تتطابق بندا بندا مع تصريحات صدرت عن نتنياهو في السنوات الأخيرة.

وذكر أن القيادي الإسرائيلي الجنرال الوزير يغئال ألون كان أول من دعا لتسوية الصراع بعد 1967 بدون الدول العربية ومن خلال دويلة بلا حدود خارجية تبقى تحت السيادة الإسرائيلية، لافتا إلى أن قيادات إسرائيلية سبقت واقترحت عروضا مشابهة منها «الحكم الذاتي» لمناحيم بيغن في اتفاقية كامب ديفيد مع مصر و"اتفاق أوسلو" الذي ينص على ما هو أقل من دولة فلسطينية تقوم بالتدريج ضمن مسيرة لا بخطوة واحدة من شأنها تعريض أمن إسرائيل للخطر.

وقال أرئيلي، إن نتنياهو منذ انتخب رئيسا للحكومة في المرة الأولى عام 1996، أعلن أن الحكم الذاتي الفلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية هو الحل وهو الضمانة لأمن إسرائيل. 

كما واستذكر، أن نتنياهو نجح بمنع تطبيق ما نص عليه اتفاق أوسلو بالمراوغة والمماطلة رغم موافقته على نقل الخليل للسيادة الفلسطينية عام 1997، معتبرا ذلك ثمنا سدده مقابل إعاقة تطبيق كل ما يقضي به "أوسلو".  

وأشار، إلى أن خليفة نتنياهو، إيهود باراك، كان قد اقترح ما يشابه طرح رابين، فور انتخابه رئيسا للحكومة في 1999 والداعي لإبقاء الأغوار ضمن منطقة تبلغ مساحتها 11% من الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية يقيم فيها نحو 80% من المستوطنين، وذلك دون مبادلة أرض.

وعلل باراك طرحه بضرورة احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على المعابر بين فلسطين وبين الأردن.

وفي قضية القدس اقترح على الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أن تحصل السلطة الفلسطينية على سيادة في الحي الإسلامي من البلدة القديمة وعلى كنيسة القيامة وربما حي النصارى، علاوة على قرى حول القدس دون التنازل عن الشطر الشرقي للمدينة.

وتابع : "لاحقا وفي مؤتمر كامب ديفيد عام 2000 ولقاء طابا في 2001 عدّل باراك موقفه بعدما تبنى رؤية كلينتون وفيها تحدث عن سيطرة إسرائيلية على 6% من الضفة الغربية، وتقاسم القدس، ودولة فلسطينية منزوعة السلاح وعودة لاجئين لها".

أما  رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت فقد واصل مسيرة التغيير بالموقف الإسرائيلي ووافق في مؤتمر أنابوليس قبل عشر سنوات على ما يقترب من الحد الأدنى الفلسطيني حول الحل الدائم: خطوط 1967 وتبادل أراض، وتقاسم القدس وتسوية قضية اللاجئين بعودتهم للدولة الفلسطينية بالأساس.

وأضاف "عند هذه النقطة توقفت المفاوضات في نهاية 2008 بعدما تنحى أولمرت. وقبلها اقترح الفلسطينيون تبادل أرض بمساحة تتراوح نسبتها بين 1.9% الى 4 % مما يتيح الإبقاء على 63-80% من المستوطنات وهذا يشمل ضم الأحياء اليهودية في القدس الشرقية وحائط البراق ونصف الحي الأرمني مع إبقاء الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وعودة 80-100 ألف لاجئ لديارهم داخل أراضي 48.

ويعود أرئيلي لرئيس حكومة الاحتلال الحالي نتنياهو، وقال، إنه أقدم فور عودته للحكم للانسحاب من هذه التفاهمات دفعة واحدة .

وأضاف "خطاب  نتنياهو في بار إيلان الكاذب عام 2009 أثار الأمل لدى أوساط واسعة لم تتعمق بتفاصيل هذا الخطاب ما لبث أن حظي بأفضل تعليق من قبل والده الراحل بن تسيون نتنياهو الذي قال وقتها للقناة الثانية إن نجله لا يؤيد دولة فلسطينية خلافا لما جاء في خطابه إلا بشروط لن يقبلها العرب للأبد وقد سمعت ذلك من ابني".

واستذكر، أن نتنياهو لاحقا حدد أن القدس لن تقسم ولن تخضع لمفاوضات وحدود 1967 لن تكون أساسا لتبادل أراض. وفي مقابلة معه عام 2015 قال نتنياهو إن الدولة التي يريدها الفلسطينيون بشروطهم غير واردة بالحسبان. 

وشدد الجنرال الإسرائيلي على أن الرئيس الأمريكي ترامب قرر تجاهل كل التفاهمات والتقدم في مفاوضات سابقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من كامب ديفيد إلى طابا، متبنيا ما طرحاه جيسون غرينبلات وجاريد كوشنر.

وتابع "هكذا لخص وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري في محاضرة مغلقة في دبي قبل شهور: نحتاج لنوايا كي نصنع السلام. أولمرت، وباراك ورابين وبيريز أشاروا لطرق كيف يتم إنجازه وترامب يتجاهل ذلك. لا يوجد في إسرائيل قادة يريدون صنع السلام ومعظم أعضاء حكومتها يقولون علانية إنهم يعارضون دولة فلسطينية للأبد".

كما قال كيري إن ترامب يحاول تجنيد إسرائيل لطرح غير مقبول على الفلسطينيين بلوره السفير الأمريكي ديفيد فريدمان.

وخلص إلى القول إن تسوية الصراع تحتاج لوسطاء ولطرفين معنيين بها و"صفقة القرن" في حال خرجت للنور ستكون بمثابة "صب زيت على النار" وستدفع طرفي الصراع نحو التحصن والتمترس في مواقعهما. 

وأضاف "سيرفضها الفلسطينيون جملة وتفصيلا وستستغل حكومة إسرائيل ذلك للنهاية حتى "تثبت" عدم وجود شريك، ولذا لم يبق أمام الإسرائيليين والفلسطينيين سوى الأمنية بأن يطرح ترامب مقترحا عادلا يستند لتفاهمات ومفاوضات سابقة على شكل خطة كلينتون وجورج بوش الابن أو أن يحتفظ بـ "صفقة القرن" لنفسه.