الوفود..مرة أخرى

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

لم يتبق شيء لم يقله الطرفان، فتح وحماس، عن المصالحة، في الجولات الكثيرة السابقة، ومعهما الوسيط المصري، لاستعادة وحدة الكيان الفلسطيني.

في الجزء الأول من عقد الخصومة، بعد انقلاب حماس مباشرة وحتى اللحظة التي تسلم فيها يحيى السنوار قيادة حماس في غزة؛ كانت سلطة غزة الحزبية "الإخوانية" هي المسؤولة عن فشل المصالحة. وبعد التغيير الحمساوي على مستوى الصلاحيات في غزة؛ أصبحت سلطة عباس التي تستحوذ على صلاحيات السلطة الوطنية الفلسطينية، هي المسؤوله باستخدام أسلوب الإشتراطات من خارج الاتفاقات تتعلق بموضوع سلاح المقاومة أساساً. غير أن اللاعب المُعطل، لأسبابه الإقليمية ظل هو نفسه "إخوان" الإقليم الذين تساندهما قطر وتركيا تالياً، وليس حماس في غزة. والسؤال: كيف استطاع اللاعب الإقليمي أن يضغط ضد المصالحة من غزة ثم من رام الله؟

عندما كان حكم حماس في غزة، ملتزماً مبدأ السمع والطاعة لمن هم بعيدون، بصرف النظر عن خصوصيات الوضع الفلسطيني في القطاع وخصوصية علاقة القطاع بمصر؛ كانت قطروتركيا تالياً، معنيتان بإفشال المساعي المصرية، لإضعاف دور القاهرة على مستوى السجال الإقليمي، من خلال الذراع الإخوانية في منطقة مجاورة لمصر. وعندما انتقلت القيادة الحمساوية في غزة، الى شباب الجيل الجديد، الذي يحسب حسبة الحياة في غزة وقد أصبحت مأزومة ومخنوقة، تخوض في مصاعب السياسة والمقاومة والحياة؛ رأت هذه القيادة من الصواب، تصفير مشكلة الحركة مع مصر أو على الأقل تصفير المشكلة الأمنية معها، لا سيما في وجود شياطين الإرهاب في سيناء. ذلك لأن حماس في غزة لن تحتمل مأزقاً بهذا الحجم. فشياطين الإرهاب، موصولون بأقبية مخابرات معادية وقوية، تتهدد مصر في استقرارها. وبهذا المُعطى الجديد، أصبحت قيادة حماس في غزة تتوخى تسوية مشكلتها مع مصر ومستعدة للمصالحة. لكن اللاعب الإقليمي لم ييأس، وظهرت مفاعيله في بعض جوانب التنفيذ، وهذا كان كافياً للتعطيل بذريعة المراوغة الحمساوية. وفي اللحظات التي لم تكن فيها مفاعيل التلكؤ كافية، كان عباس من جانبه شخصياً، وعبر مساعديه وأصفيائه، يتعمدون الإستثارة. وحماس، بطبيعة لغتها السياسية، عاجزة عن طرح اشتراطات دستورية وقانونية تتعلق بالضفة، لأنها هي نفسها فاقدة للوعي بالضرورات الدستورية والقانونية لقيام الكيانات الوطنية.  

في هذه المرحلة الأخيرة، استخدمت قطر، ورقة عباس نفسه، مدركة أن لدى الرجل غرام تاريخي خاص بالدوحة ولا يستغني عنها، وهي الوحيدة التي لا يجافيها وإن بادرت الى مجافاته، أياً كانت توجهاتها وأياً كان حلفاؤها. تجاوزت هذه الأخيرة، عن موقفه الثابت ضد "الإخوان" وعن تعارض خطابه مع خطابهم في الموضوع السياسي، وأوكلت اليه مهمة التعطيل، فارتجل سياقاته دون أن يتحسس خطورتها، وبات يتحدث علناً عن عقاب غزة، وعن شرط التسليم الحمساوي له، من الباب الى المحراب، ويقصد سلاح المقاومة والهيمنة الأمنية، فتعطلت المصالحة.

اليوم هناك عوامل ضاغطة على الجميع: السياسة التي ارتجلها عباس لخنق غزة بفتحها وحماسها، لا تلائم الإحتلال ولا الأمريكيين، وقرن "الصفقة" يقترب، وفي حيثياته وقد تحول بؤس غزة الى موضوع مركزي لدى الأمريكيين لتمرير "الصفقة" والمصريون الذين بذلوا الغالي منذ نشأة القضية الفلسطينية، لن يقبلوا تقزيم هذه القضية بالمنطق الأمريكي، فيصبح التمرير سهماً في قوس "الجماعة" ومن يساندونها. ولعل هذا هو سبب البدء بمحاولة جديدة لجمع الخصمين، وتحقيق المصالحة!

المُعطل الحالي، وهو عباس، وقبل الإعلان عن دعوات للقاء جديد؛ أوعز لوفده بالبدء في الاستفزاز، مستفيداً من سحنة رئيس الوفد التي لا تبشر بأي خير. فهو المقاول الحصري لتوليد المشكلة من بطن المشكلة، ولا سيولة في الكلام السخيف، تضاهي سيولته التي عُرفت عنها الخفة وعُرف الغباء مع الغيبوبة التي لا تتحسس أية مخاطر من حولنا!

إن لم تُوضع النقاط على الحروف بوضوح وقوة، لن تكون هناك أية نتيجة لسفر الوفود الى القاهرة مرة أخرى!