ليس مطلوباً من العرب سوى إدخال المساعدات!

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 

 

خمسة أيام منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى». ولا يزال الصراع نحو المزيد من الوقت، وإلى المزيد من التوسُّع، والتصاعد، ستحفر عميقاً في تاريخ الصراع وتترك بصمات واضحة على كلّ الأطراف المنخرطة فيه.
أرادت إسرائيل، أن تعيد قطاع غزة خمسين سنة إلى الخلف، وأرادت قبل أن يتراجع سفيرها في القاهرة، دفع مليونين ومئتي ألف موجودين في القطاع، نحو الهجرة إلى سيناء المصرية.
ويكرّر بنيامين نتنياهو أنّها حرب على قطاع غزة، ستؤدي إلى بناء «شرق أوسط جديد» فشلت في تحقيقه الولايات المتحدة الأميركية وشركاؤها حين تحدثت قبل اثني عشر عاماً عن «الشرق الأوسط الجديد» و»الفوضى الخلّاقة».
ويتوهّم نتنياهو وشركاؤه في أنّ الحرب التي يشنها على قطاع غزّة، ويجنّد من أجل ربحها كلّ طاقة الاحتياط، ستؤدّي إلى القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة المسلّحة.
ويهدّد نتنياهو بأنّه يفكّر في أن ينتقل من مرحلة التدمير الشامل للمباني والمؤسّسات، والبنية التحتية، والشوارع، وإحكام الحصار على سكّان القطاع، إلى مرحلة الاجتياح البرّي بعكس ما التزم به نتنياهو نفسه خلال السبعة عشر عاماً المنصرمة، التي تقوم على تعميق الانقسام وبقاء «حماس» في غزة و»فتح» في الضفة.
يستمدّ نتنياهو أوهامه، وتناقضاته، وهذه الشعارات انطلاقاً من طبيعة يتميّز بها ويتميّز بها شركاؤه من «اليمين» العنصري الفاشي، من حيث الرغبة في حسم الصراع، وإنهاء الوجود الفلسطيني، والرغبة في اقتفاء أثر العصابات الصهيونية، التي تميّزت بارتكاب المجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
لكن كلّ ما يتميّز به نتنياهو وشركاؤه من الإرهاب والعنصرية وتحقيق أوهام «إسرائيل الكبرى»، و»شرقهم الأوسط الجديد»، هو الدعم الحازم والكامل من قبل الولايات المتحدة والدول الاستعمارية الغربية.
تعوّدت دول أوروبا الغربية على اتباع سياسة التذيّل للولايات المتحدة، رغم أنّهم شركاء في الجريمة، شركاء في خلق إسرائيل واستمرارها، فلا تصدر موقفاً إلّا بعد الموقف الأميركي.
قالت أميركا، «إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها»، ولم تكتفِ بذلك بل انخرطت في القتال مباشرة، من خلال إرسال حاملة طائراتها إلى «المتوسّط»، وإنشاء جسرٍ جوّي لتزويد إسرائيل بأدوات ووسائل القتل من أنواع متقدمة وأشدّ فتكاً.
الموقف الأوروبي لحق بها، على نفس الأسطوانة، بدءا من بريطانيا صاحبة «وعد بلفور» التي وعدت بتقديم المساعدات لإسرائيل ولحقت بها فرنسا وألمانيا، وربّما آخرون.
بقي على الأوروبيين أن يكرّروا ما صرّح به مسؤول الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، الذي اعتبر أنّ ما تقوم به إسرائيل يتوافق مع القانون الدولي.
نعم، هو يتوافق مع القانون الدولي كما تفهمه وتمارسه زعيمة «النظام العالمي أحادي القطب»، والذي يقوم على ازدواجية المعايير، فالاحتلال في أوكرانيا، يتجنّد في مواجهته كلّ «حلف الأطلسي»، أما الاحتلال الإسرائيلي فإنّه احتلال يخدم السلام والأمن في المنطقة والعالم.
أميركا تضع نفسها في المواجهة، حين تقدّم لإسرائيل كلّ هذا الدعم والغطاء والتشجيع، بما يثبت بالملموس أنّ من يحتلّ فلسطين هو الولايات المتحدة، وأنّ إسرائيل مجرّد شركة أمنية، أو مجموعة شركات، تؤدّي الوظائف التي تطلبها الإدارات الأميركية تماماً مثل شركة «بلاك ووتر».
لو أنّنا عدنا إلى الوراء، قبل خمسين عاماً حين نجح الجيش المصري في تدمير «خط بارليف»، وتقدّم بسرعة في سيناء، وكان بإمكانه التقدّم نحو فلسطين، فإنّ من أوقف تحرّكه هو الولايات المتحدة، التي هدّدت وتوعّدت وأقامت جسراً جوّياً يمدّ إسرائيل بكلّ أنواع الأسلحة.
والآن، ما هي صورة إسرائيل، خلال اليومين الأوّلين من عملية «طوفان الأقصى»، وما هي، الآن، بسبب التدخل الأميركي العاجل والدعم الأوروبي الاستعماري؟
بصريح العبارة، يعلن جو بايدن أنّ بوارجه الحربية في «المتوسّط» تستهدف خفض الصراع، ومنع أيّ أطراف أخرى من الانخراط في الحرب ويسمي «حزب الله» على وجه التحديد.
خفض الصراع مقصود به منح إسرائيل ما تشاء من الوقت، لكي تقوم بإعادة رسم المشهد إلى مشهدٍ انتصاري يقول، إن إسرائيل مُمسِكة بالردع، وأنّ جيشها يتفوّق على من حوله، وأنّه قادر على تدفيع الثمن باهظاً لكلّ من يجرؤ على المساس بالإسرائيليين.
بالتأكيد، يسعى بايدن إلى تقصير الوقت، قبل أن تنزلق الأوضاع نحو دخول «حزب الله» وآخرين على الخطّ، وحتى لا يؤدّي توسيع دائرة النار إلى الإطاحة بأحلامه إزاء «صفقة تطبيع» العلاقات الإسرائيلية السعودية والتي تشكّل بالنسبة له حبل الإنقاذ الوحيد الذي يساعده في تحسين فرصه في الانتخابات الرئاسية.
وبرأينا، فإنّ هذا يفسّر التطرّف الإسرائيلي الشديد في حربه ضد سكان قطاع غزة، غير أنّ ما بلغته الأوضاع في القطاع، ومشاهد المجازر الإسرائيلية، قد أخذ يحرّك الأطراف الأخرى التي حاول بايدن تجنّب انخراطها في الحرب.
سيعلم نتنياهو أنّ فلسطين هي فقط خيار سكان غزة، وأنّهم لن يهاجروا إلى أيّ مكانٍ آخر حتى لو اقتضى الأمر، أن يعيدوا نصب خيامهم على الأنقاض.
مخطئ نتنياهو إن كان يعتقد أنّ بإمكانه القضاء على المقاومة، التي عليه أن يعيد قراءة ما فعلته وهي مستمرة.
لقد خسرت إسرائيل أكثر من ألف ومئتي قتيل وآلاف الجرحى وما يزيد على مئتي أسير، باعتراف إسرائيل، وفي اشتباك في «غلاف غزة»، فما هو حجم الثمن الذي ينتظره في حال قرار اجتياح غزة؟
هل يمكن لإسرائيل أن تتحمّل الثمن في حال دخول جيشها إلى غزة بينما هي لم تتحمّل الثمن الذي دفعته خلال الأيّام الأربعة المنصرمة.
بأوامر أميركية، تأخّر اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذين سيجتمعون، اليوم (أمس الأربعاء)، قبل كتابة هذا المقال، العرب في حالة حرجٍ شديد وحسابات مختلفة عن حسابات إسرائيل وحلفائها، والكلّ يعلم أنّ لديهم أو لدى بعضهم على الأقلّ، ما يُرغِم إسرائيل وأميركا على إعادة النظر فيما يعملون عليه، ويُمارسونه بحق الشعب الفلسطيني، ولذلك لم يعد وليس مقبولاً الاكتفاء بإصدار البيانات.
ليس مطلوباً من العرب، أن ينخرطوا في الحرب دفاعاً عن الشعب الفلسطيني ودفاعاً عن كرامتهم، فالمطلوب فقط إدخال المساعدات الإنسانية والطبّية، إلى أهل القطاع، بالرغم من التهديدات الإسرائيلية، التي لا تجرؤ على تحدّي موقف عربيّ جادّ.