الإعلام «الحربي»: بين التهوين.. والتهويل!!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار بعد التصعيد العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة فجر الأربعاء قبل الماضي، سادت ساعات طويلة من التوتر الشديد لدى الجمهور الغزي، ليس فقط نتيجة لتبادل القذائف الصاروخية والاستهدافات المتبادلة، بل وأيضاً نتيجة ما نشرته بشكل متواتر وسائل الاتصال الاجتماعي والمواقع الإعلامية المختلفة، ما أثار الفزع والخوف، حتى قبل أن تبدأ أي حرب، التي تبين أنها في إطار المناوشات والاختبارات وعض الأصابع بين أطرافها.
ما عكسته صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع بما فيها الأكثر شهرة وخبرة، من نقل، وصناعة، وترجمة للأخبار المنشورة قبل ساعات من التوصل إلى وقف اطلاق النار، يعكس بامتياز، ضرورة إعادة النظر بكيفية التعامل الإعلامي في ظل التوترات الأمنية والسياسية والعسكرية، وبحيث لا تترك آثارها النفسية السلبية على الجمهور المتلقي المتلهف في مثل تلك الظروف لمتابعة الأخبار الخاصة المتعلقة بتطورات احتمالات حرب قادمة، وهو تأكيد متجدد على ضرورة فهم أوسع وأدق لشعار "المسؤولية الاجتماعية" لوسائل الإعلام على اختلاف أشكالها وأساليبها.
وإحدى أهم المشكلات التي تواجه الصحافي أو المراسل وهو يتابع مثل هذه التطورات، المشكلة الفلسطينية المستعصية في هذا السياق، والمتمثلة في غياب المصدر، صادف أنني كنت على وشك الظهور في إحدى القنوات الفضائية منتصف الثلاثاء/ الأربعاء الماضي، قبل قليل من الإعلان عن وقف إطلاق النار كان محررو القناة يتصلون بكل القيادات من أجل تـأكيد أو نفي خبر وقف إطلاق النار، كان الجميع، نعم الجميع، من المؤهلين للرد على هذا السؤال، قد أغلقوا هواتفهم، والغريب أن الجانب الفلسطيني في قطاع غزة، أكد على مثل هذا الاتفاق بعد أن أعلنت إسرائيل عنه.
وهذا ينقلنا إلى مشكلة إضافية في هذا السياق، والمتعلقة بمدى ثقة المتلقي الفلسطيني بشكل عام بتصريحات المسؤولين الفلسطينيين، والأخبار المنقولة عنهم في وسائط الإعلام الفلسطينية، مقارنة بما تسربه وسائل الإعلام الإسرائيلية
والتي تسارع وسائط إعلامنا على نسخها ونقلها، لإضفاء "مصداقية وثقة" بهذا الخبر أو ذاك، دون إدراك في كثير من الأحيان، أن هذه الأخبار المسربة عمداً إلى الرأي العام الفلسطيني ما هي إلاّ جزء من الحرب النفسية في إطار منهجي تقوم عليها وسائل الاستخبارات الإسرائيلية في كثير من الأحيان في اطار هذه الحرب الموجهة، وفي سياق المقولة المعروفة، ان التهديد بالحرب، أسهل وأكثر جدوى من الحرب نفسها، وهكذا، وبدون إدراك في كثير من الأحيان، يتم اعتماد الأخبار الإسرائيلية المتعمدة في وسائل إعلامنا، الأمر الذي يشكل خطورة متزايدة في أجواء التوترات العسكرية والأمنية.
وتكمن مشكلة أخرى، مع تجاوز "حقوق الملكية الفكرية" إذ يتم نسخ ونقل الأخبار بلا رادع من قانون أو من أخلاق مهنية، وإذا ما طالعنا بعض المواقع نجد أنها تتشابه في أكثر أخبارها، بما في ذلك الأخطاء اللغوية والإعلانية، في ظاهرة يمكن أن نطلق عليها "الفوضى الإعلامية" والأخبار الملفّقة، هي الأكثر انتشاراً بالنظر إلى ما تحمله من عناصر التشويق الكاذبة والمصطنعة والهادفة إلى اصطياد القارئ المتابع لمزيد من "الكليكات" خاصة وأن العديد من المواقع تقيّم محرريها ومراسليها من خلال عدد "الكليكات" بشكل أساسي، ولم يعد "السبق الصحافي" الناتج من خبرة مهنية هو المقياس، الأمر الذي شجع بعض الصحافيين، خاصة الجدد منهم، إلى توخّي الإثارة ونقل الأخبار التي من شأنها أن تفتح شهية المتلقي على القراءة، أكثر من الحرص على مدى دقة وصحة مصدر هذا الخبر أو ذاك.
مقابل عناصر الإثارة، ربما نجد من الناحية الأخرى، عناصر التهوين والتقليل من شأن بعض الأخبار، وهنا لا بد أن نضع خيطاً رفيعاً بين التهوين والتهويل، هذا الخط الرفيع هو الخط الواقع بين المسؤولية الاجتماعية، ودقة وحقيقة الأخبار ومصداقية مصادرها، لا تهوين ولا تهويل، ولكن التمسك بمهنية المهنة الصحافية والتحلي بالأخلاق المهنية!!