الجولان.. تصعيد بالمسطرة

6ee872bf861029f2f114ad500e81deab.jpg
حجم الخط

 

لم يكن صعباً على إسرائيل أن تسقط طائرة حربية سورية من طراز سوخوي 22 اختلف بشأن مكان تحليقها، لكن المفارقة في الأمر أن إسقاط الطائرة تزامن مع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف إلى تل أبيب.
زيارة لافروف وغيراسيموف للاجتماع برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو جاءت في وقت تحرص فيه روسيا على تفهم القلق الأمني الذي يصيب إسرائيل بمنطقة الجولان المحتل، فضلاً عن قلق آخر متعلق بالبعبع الإيراني في العمق السوري.
عنوان الاجتماع الروسي- الإسرائيلي بحث في شأن الوجود الإيراني بسورية، إذ قيل: إن نتنياهو رفض عرضاً روسياً يقضي بإبعاد القوات الإيرانية مسافة 100 كيلومتر عن منطقة فض الاشتباك الموقعة عام 1974 التي تقضي بفصل القوات السورية والإسرائيلية.
قبل هذا العرض الروسي، سبق أن اقترحت موسكو على تل أبيب إبعاد القوات الإيرانية إلى 40 كيلومتراً من منطقة فض الاشتباك في الجنوب السوري، رفضته إسرائيل فزادت روسيا من مسافة الإبعاد إلى نحو 80 كيلومتراً باتجاه الشمال أو الشرق.
ولعل إسرائيل التي راهنت كل الوقت على فشل النظام السوري في حسم النزاع عسكرياً، وراقبت بل تحركت في السر والعلن لضمان تفوقها العسكري في المنطقة وتأمين وجودها، باتت اليوم تبحث وتساوم مع الروس على الاحتفاظ باتفاقية 1974 بشأن الجولان المحتل.
تل أبيب ليس لديها مشكلة مع وجود النظام السوري إلى جوارها، فقد تعايشت معه في إطار معادلة فض الاشتباك التي أعادت لذلك النظام 60 كيلومتراً مربعاً من مناطق في الجولان والقنيطرة مقابل الموافقة على هذا الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة.
المشكلة عند نتنياهو تتصل بالوجود الإيراني، فالرغبة أن تكون سورية اليوم هي نفسها التي كانت قبل عام النزاع 2011، ولذلك فإن تفسير الزيارات الإسرائيلية المتكررة إلى روسيا تصب في هذا الاتجاه، خصوصاً أن تل أبيب تعرف أن موسكو تمتلك الأوراق اللازمة للتأثير على حليفتها طهران.
أما حادثة إسقاط الطائرة السورية فتتعلق ببعدين، الأول أن إسرائيل التي سبق أن أُسقطت لها طائرة حربية بفعل المضادات الدفاعية السورية فوق الجولان، تنتقم اليوم بإسقاط طائرة سورية في إطار رسالة حازمة مفادها أنها لا تقبل التهديد وتقابل الصفعة بالصفعة.
البعد الآخر مرتبط بفرض خط أحمر إسرائيلي في هضبة الجولان ومحيطها، يقضي بأن تكون المنطقة الواقعة غرب سورية آمنة بنسبة 100%، وهذا يعني أن تكون منطقة مدنية ولا تمتلك أي قواعد عسكرية بأجهزة ومعدات ثقيلة وحتى متوسطة.
ويفهم من الاستنفار الكبير والمتابعة الإسرائيلية للنزاع العسكري الذي تشنه القوات الحكومية السورية في منطقة الجنوب، أنه يخدم مصالحها في شأن إيجاد مناطق مُحرّمة بمساحات واسعة إذا ما بقيت إيران والجماعات التابعة لها في الداخل السوري.
ما يجري في الجنوب السوري هو تصعيد محسوب ومدروس بالمسطرة، حيث إنه لا إسرائيل ولا النظام السوري معنيان بالدخول في مغامرة عسكرية، كونها لا تصب في صالحهما، لكن ما يحدث بين الطرفين هو أشبه بتسديد لكمات بقفازات في مناطق غير مؤذية.
ثم إن النظام السوري في وضعه الحالي ليس بوارده محاربة إسرائيل، لأنه يدرك أن فتح جبهة من هذا النوع الثقيل قد تعطي ذريعة للولايات المتحدة الأميركية لإعلان الحرب على سورية من أجل حماية إسرائيل وأمنها بالدرجة الأولى.
ولذلك من المستبعد أن تطلب سورية إلغاء اتفاق 1974 بشأن فصل قواتها مع القوات الإسرائيلية في منطقة الجولان المحتل، لأن مثل هذا الإجراء سيشتت انتباهها العسكري تحديداً، حيث لم يعد أمامها سوى معركة الشمال، هذا إذا افترضنا أنها حسمت معركة الجنوب.
ستتغاضى روسيا عن إسقاط الطائرة الحربية السورية طالما أن هناك جسراً للاتصال مع الإسرائيليين وتفهم لوضعهم الأمني، علماً أن بوتين الذي التقى نظيره الأميركي ترامب في قمة هلسنكي، أكد له دعم روسيا لإسرائيل آمنة.
على الأرجح أن تشهد منطقة الجولان توترات بين إسرائيل والنظام السوري في بحر الأسابيع المقبلة، إلى أن ينتهي النزاع الداخلي في منطقة الجنوب، لكن تل أبيب التي تفاوض من أجل الحفاظ على مكتسبات ما قبل نزاع 2011، عازمة على إيجاد صيغة لمنطقة آمنة في الجنوب السوري.
ويمكن القول: إن روسيا سترضي إسرائيل إن عاجلاً أم آجلاً، وذلك يعتمد على حجم المساومات والأخذ والرد في المصالح المشتركة ومدى الاستفادة، وما لا شك فيه أن تل أبيب مطمئنة لمسألة الجولان المحتل واتفاق 1974، إنما تركز الآن على مصير إيران وجماعاتها في سورية.
وهذا الموقف يتطابق مع موقف واشنطن من الوجود الإيراني في سورية، إذ لم تعترض الولايات المتحدة الأميركية يوماً عن طول وعرض العمق الإيراني في العراق، لكنها بالتأكيد منحازة لفكرة تطهير جيران إسرائيل من طهران.
هذا هو جوهر النزاع السوري في الوقت الحالي، خاصةً أن الحديث حول المراهنة على المعارضة السورية بات ضرباً من الخيال في إطار موازين القوى التي تذهب يوماً بعد يوم إلى صالح القوات الحكومية السورية التي لم يعد أمامها سوى الاتجاه شمالاً.