ميساء سلامة "امرأة من رهط"

التقاط.PNG
حجم الخط

كشجرة تقاسي الفصول منفردة، تزهر تارة ويصيبها الوجع فيتملك العبوس أغصانها تارة أخرى، تحاول أن تسند بكلماتها الوطن ولا يسند ضعف قلبها أحد ، امرأة تحمل في الجزء الأيسر منها مضغة بجبروت صحراء النقب وطلق ناري استقر ليكون بيته محيط تجويفها الصدري أعلى القلب .

ان أمعنت النظر سيبدو على ملامحها هدوء منطقة الرهط ، رغم أنها تخفي تحت جلدها ضجيج ويلات ترتبت في حياتها كتطريز فلاحة على ثوب زفافها الأبيض .

حكاية نصف قرن

أم خالد مواليد فبراير 1962م خمسينية ترى في عينيها بؤس ركوة القهوة في فناجين الغائبين ، وانكماش الزهر على سياج بيوت المسافرين، تبتسم وهي تسرد حكايتها فيتكشف اصص صغيرة من الفل الأبيض بين شفتيها للتحدث وتقول :"ترعرعت في أزقة معسكر اللاجئين كنا نتشابه فيه بقسوة المحن وكرت التموين ندرس على مصباح الكاز ونعتاش من مؤونة الزيت والطحين ولدت في اسرة ممتدة لأب عسكري و جدة معمرة بلغت من العمر 130عام وهي تسرد على روحي قصص الهجرة وحكايا اللاجئين كبرت فيه وتم زفافي في احدى شوارعه التي لا تتجاوز المترين لابن عمي لتبدأ الصعوبات تنفرط في حياتي كحبات رمان في صحن فارغ "

تركني أرملة

ثمان سنوات من بعد الزواج يصاب أبو خالد بمرض نادر " الفقاع " لتجد أم خالد نفسها تصارع معه الموت وهو يحاول الحياة تتحدث من بعد جولة صمت

" 20 عام وهو مريض في رحلة عذاب طويلة كنت بها الام والأب لستة أطفال ومعلمة للغة العربية في المدارس وممرضة حنونة لزوجي كان يقطع قلبي كلما حاولت نزع جلابيته البيضاء وهي ملتصقة بتقرحات جلده فاسلخ قلبي بيدي معه كان زوجا حنونا ،عزيز النفس ، كريم الأصل الا انه تركني أرملة ليمضي بعد آهات ومعاناة "

23 عاما في التربية والتعليم

بين ما مضى وما هو آت تقف الأستاذة مريم أمام الكاف بين هناك وهنا تحاول إخفاء ما استوطن أوردتها من الالم لكن بركة الماء المستلقية خلف جفونها تأبى الحديث إلا من خلال الدموع " ما زلت من المشرقين عمدا المحفوفين بالنور والنار و الكادحين كدحا لـ23 عاما في التربية والتعليم "

أبو موسى هي من أولئك الذين تضيء أعينهم لأن في قلوبهم محرقة ومن الذين يؤمنون بالحرف ودور الكلمة تكتب قصائدها للوطن كعقد قرنفل صلب وتؤمن بحقها الإنساني وحق العودة واللاجئين .

حلم العودة إلى رهط

30/3/2018م هذا التاريخ الذي شاركت فيه ام خالد بمسيرات العودة كخطوة نحو حلمها وحلم جدتها في العودة إلى رهط ، كانت تردد القصائد وهي ترتدي البرقع وتحمل صورة رمزية لمفتاح العودة لتجد نفسها في المشفى مرارا بعد تعرضها للإصابات تقول بصلابة محارب " أصبت بطلق ناري استقر في تجويفي الصدري ومرة أخرى بالاختناق نتيجة الغاز المسيل للدموع ومرة ثالثة بجراح في قدمي من السياج الحدودي الزائل 

ألم أصبح يرافقها وإيمانها بحقها يدفعها للمشاركة بتعبير سلمي عن حقها في العودة .

تقاعد مبكر

حياة تعيشها كحقل ألغام تتمشى فيه بحذر شديد خشية أن ينفجر في وجهها لغم من الوجع أشهر أمضتها بنصف راتب وظيفي تخرج منه صفر اليدين و مسئولية أسرية لعائلتها ووجع استقر في صدرها ليبقى كتذكار من وطن تفتقد فيه أقل حقوقها في الرعاية والعلاج لتكن بذلك جسد متهالك وتقاعد مبكر .

عزيمة لا تلين

الأستاذة مريم عضت الحياة على قلبها وتعبت من فرط التظاهر بالصلابة ومن مذاق الإرهاق النيء ومن محاولة تجلطها أمام أذى فقدان حقوقها حسب ما تقتضيه القوانين الدولية وقوانين حماية النساء أوقات النزاع المسلح طبقا للمواثيق الدولية فلم تشفع لها اتفاقيات لاهاي الأولى والثانية 1899 و1907 واتفاقيات جنيف الأربع عام 1949، والبروتوكولان المكلفان لها عام 1977 وانتهاء بقراري مجلس الامن 1325 و2242 لتعيش كما يعيش العالم .

هي عاشت ولم تكن كغيرها من النساء اللواتي انشغلن بزينتهن بل شغلهن هم الوطن بمتاعبه ورغم ما تعيشه ما زلت تنشد السلام في أشعارها وتؤمن ان الحرب ما هي الا مراكب سلام عجزت عن العبور لهذا القلب

فسلام لقلب يعيش في أرض السلام ولم يجد يوما سلام.