سخونة المواجهة وكواليس التهدئة

751011512704751.jpg
حجم الخط

 

الكُتاب الإسرائيليون المتابعون، كلٌ بلغته وببراهينة، يتحدثون عن رعونة الثنائي نتنياهو ــ ليبرلمان، وذهب بعضهم الى التركيز على عجز هذا الثنائي أمام تحديات غزة ومقاومتها. وفي السياق كله، بدا أن محض تقرير من حماس عن وضع الجثث أو الأسرى؛ سيكون كافياً للبدء في الحل والتهدئة. ومن جانبنا، يتبدى جلياً أن مأزق الثنائي المتطرف وحكومته، يكمن في صعوبة الخيارات كلها، لا سيما وأن أية انتخابات مقبلة، في الكيان الصهيوني، لن تحصد لصالح ثنائي نتنياهو ــ ليبرمان، النتائج نفسها التي حصدها عندما كان يُجزل الوعود لناخبيه، بحسم ما يسمونه الملف الأمني وإراحة المستوطنين في غلاف غزة.

الخيارات الصعبة أمام دولة العدوان، تتعلق أولاً بالثمن الفادح في حال اجتياح القطاع، لأن الجنود والمركبات لن يتحركوا على مسرح عمليات يناسبهم، حيث إكتظاظ السكان المستعدين للدفاع عن النفس، وحماقة ارتكاب مجازر واسعة ومشهودة، بالقصف العشوائي، ومحاذير الجنود من الوقوع في الأسر، وحتى الثمن الفادح، للعودة الى احتلال قطاع غزة، لو تمكنوا من ذلك!

هم حتى الآن، يتحاشون المغامرة، ويتحسسون خطورة العودة الى الاغتيالات، التي سينتج عنها حتماً، الإجهاز على كل احتمالات التهدئة، وانفلات الأمور أكثر ولغير صالحهم. في الوقت نفسه، يحرجهم كثيراً ويضعفهم سياسياً، أمام جمهورهم العنصري المتطرف، الذي صنعوه بخطابهم وبسياساتهم، أن يتواضعوا أمام الحقائق، وأن يتوصلوا الى تهدئة تقتصر على وقف الإشتباك دون شطب القضية الفلسطينية. كذلك فإن الرأي العام الفلسطيني استبق احتمال أن تكون التسوية "الإنسانية" لمأزق غزة، على حساب قضية الفلسطينيين جميعا. فقد وضع الشعب الفلسطيني الخط الأحمر، الذي يفصل بين تهدئة تأخذ غزة بموجبها كل حقوقها الطبيعية في الحياة، وأن يكون حل المأزق على حساب القضية التي هي الأصل. فلا يستطيع أي طرف فلسطيني، أن يجازف بالتماشي مع هذا الهدف، الذي يمثل جوهر التوجهات الأمريكية، سواء وُصفت بكونها "صفقة قرن" أو سياسة تقليدية دأبت عليها واشنطن، في تنكرها للعدالة وتشجيعها إسرائيل على العدوان!

لعل صمود غزة، واستعداد المقاومة للرد على النيران، واستعداها أيضاً للدفاع عن النفس في حال الاجتياح؛ هي العناصر التي تلخص حقيقة لا مراء فيها، وهي أن غزة ستنتزع حقها بصمودها، ليس من العدو وحسب، وإنما أيضاً من الحمقى الذين ظنوا أنهم سيفرضون عليها الرضوخ بخنقها، وبالأذى الشامل الذي أوقعوه بها وبسكانها من كل الأطياف.

المواجهة لا تزال ساخنة ومفتوحة على كل الاحتمالات، ولا شأن لنا بالحسابات الداخلية للثنائي نتنياهو ــ ليبربمان ومن معه. فهؤلاء هم الذين اختاروا سياسة العدوان والقتل والتعدي والحصار. فما نطالب به اليوم، هو الحقوق الطبيعية للمواطنين، مقابل أن نلتزم قواعد النظر في المعطيات على الأرض، لنعرف الى أي حد تلائمنا الحرب العاجلة، مع عدو مسلح حتى النواجذ، ونحن محاصرون بين جدار الحدود والبحر.  ففي مثل هذه الأوضاع، يختلف الاضطرار الى الدفاع عن النفس، عن خيار البدء بالهجوم. وليس عيباً أن تكون هدنة، لكن العيب في أن نرضخ لمحاولة العدو، مقايضة الهدنة بالقضية. فالمسجونون من مناضلي الحركة الأسيرة، يتناولون طعامهم نفسه من العدو الذي يسجنهم، لكنهم الأوضح والأكمل تعبيراً عن التمسك بالقضية الوطنية. وهذا ما يتعين على المشاركين في كواليس التهدئة، أن يضعوه نصب أعينهم!