الكاتب: شفيق التلولي
لا يجب أن تمر زيارة وفد الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء لغزة مرور الكرام دون أن نقف على أهم الدلالات الفارقة لهذه الزيارة التي جاءت بُعيد الانتخابات التي جرت مؤخراً لانتخاب أمانة عامة جديدة للاتحاد حيث جرت في كل من غزة والضفة الغربية في وقت متزامن وقائمة وطنية واحدة موحدة وصندوق واحد رغم الجغرافيا السياسية المقيتة وما فرضه واقع الانقسام البغيض للتباعد بين جناحي الوطن الواحد وعملاً بهذه الروح الوطنية العالية نظمت الأمانة العامة الجديدة فيما بعد اجتماعاً مشتركاً لأعضائها في كل من غزة ورام الله عبر تقنية الربط التلفزيوني معلنة انتخاب أمينها العام والأمين المساعد وتوزيع اللجان وتحديد مهامها لتدق ساعة العمل.
من هنا انطلق الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين يوم الثلاثاء الفائت الرابع عشر من أغسطس للعام ألفي وثماني عشر نحو زيارة غزة، وبذلك تبرز الدلالة الأهم لهذه الزيارة تأكيداً على أن الثقافة تكسر الحدود وترفض العزلة المفروضة على غزة إيماناً من الكتاب والأدباء بأن الثقافة توحد الوطن فهي بذلك تلفظ الانقسام المذل والمهين على طريق سقوطه وعودة اللحمة بين شقي الوطن انطلاقا من مبدأ أن الثقافة توحدنا.
كما وتأتي هذه الزيارة كدلالة أخرى على أن المثقف أول من يقاوم وآخر من يستسلم ولا يساوم، فقد جاءت الزيارة رفضاً لاستهداف المراكز الثقافية وتدميرها من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلية وخاصة مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والعلوم، حيث نظم وفد اتحاد الكتاب وقفة احتجاج أمام ركام مؤسسة المسحال المدمرة، كما وأن الوفد عقد لقاء ثقافي مع جمهرة الكتاب والمثقفين في مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق تكريساً للخطة الطموحة التي كانت قد أعدتها الأمانة العامة في كل من غزة ورام الله عبر عقد اجتماع في آن واحد وأقرت من غزة إطلاق صندوق الكاتب الفلسطيني، فهي بذلك تريد أن تنطلق بهذه الخطة من غزة تثبيتاً لحضور غزة في الزمان والمكان وأنها عصية عن الانطواء والانزواء والتجزئة، ولذلك وفور وصول وفد الأمانة العامة عمدت إلى عقد اجتماع لأعضائها في مقر الاتحاد بغزة واضطلعت على واقع المقر ومعيقات العمل فيما زارت في وقت لاحق المقر الجديد الذي كانت قد استأجرته الأمانة العامة مؤخراً في غزة لتبارك النقل للمقر الجديد وتأمين ما يلزمه من احتياجات.
فيما جسدت زيارة وفد اتحاد الكتاب لمركز القطان للطفل دلالة كبيرة لإيمانه بمكانة هذه المؤسسة الثقافية الرائدة والبحث في سبل التعاون بينها وبين اتحاد الكتاب خاصة فيما يخص دعم الأطفال الموهوبين في مجال الكتابة الأدبية وتعزيز روح القراءة لدى الأطفال كضرورة تنويرية في ظل واقع قطاع غزة المأزوم وبذلك يكون الاتحاد قد أكد على دور المراكز الثقافية وبخاصة تلك التي تهتم بالطفل.
وبالإشارة إلى زيارة جمعية الشبان المسيحية إحدى منارات غزة الثقافية والاجتماعية والرياضية فقد حملت أيضاً دلالة وطنية وإنسانية هامة جداً، وهكذا جاءت الزيارة لتدعم وجود مثل هذه المنابر التي جسدت صورة وطنية بهية، وكذلك فإن الزيارة تعزز حضور جمعية الشبان المسيحية وتشجع صمودها في وجه ما أفرزه الانقسام وأعملته الأزمات والحروب.
ومن الدلالات التي لا يمكن القفز عنها هي زيارة الوفد لمقر نقابة الصحفيين التي جاءت لتؤكد على أهمية الدور المشترك لكل من اتحاد الكتاب والأدباء ونقابة الصحفيين وصولاً إلى تعميم وتعميق الخطاب الإعلامي والثقافي الوحدوي في مواجهة الانقسام وإذكاء روح الوحدة الوطنية؛ فالكتاب والصحفيون يعدان جسماً واحداً وإن كانا قد انفصلا؛ تأصيلاً للعمل المهني والإبداعي، لكنهما سيعملان بروح واحدة وقلب واحد.
ولا يفوتنا التطرق لزيارة الوفد لجامعة الأزهر بغزة والاجتماع بكل من مجلس الأمناء ومجلس الجامعة، حيث دللت هذه الزيارة على أهمية هذه القلعة الوطنية التعليمية كمنبر أكاديمي رائد، كما وجاءت هذه الزيارة أيضاً مباركة لمجلس أمناء الجامعة الجديد حيث يفتخر اتحاد الكتاب باختيار كتاب وأدباء ومثقفين لعضويته مما يعد تأكيداً على دور الثقافة في دعم الجبهة الأكاديمية وتصليبها.
إن هذه الزيارة القصيرة والمكثفة التي لم تدم سوى يوم ويزيد لم تأت فقط لتحمل في طياتها العديد من الدلالات إنما تعد أيضاً نقطة انطلاق تؤسس لفعل ثقافي جديد على امتداد الوطن الواحد والكبير بعيداً عن التجزئة.
إن باعدت بيننا السياسة فالثقافة توحدنا