بقلم: بسام أبو شريف
اتخذ " الكابينت " ، أي الحكومة المصغرة الاسرائيلية قرارا باعتبار التحرك على مقاومة الاحتلال جريمة تتطلب اعتقال الأشخاص الذين يقومون بالتحريض بالكلمة المكتوبة أو عبر الاذاعات ومحطات التلفزيون ، والحكومة المصغرة مكلفة وتتمتع بصلاحية الحكومة في الأمور الحساسة والخطيرة التي تمس " أمن دولة اسرائيل " وهذا يعني أن الحكومة الاسرائيلية تعتبر الدعوة للدفاع عن النفس " كتابة أو قولا " تشكل خطرا على دولة اسرائيل ، ويجب معاقبة مرتكبه .
" هذا الارهاب أو التحريض عليه " ، لماذ اتخذ نتنياهو هذا القرار ؟
لنبدأ من الوضع الراهن : أثارت مسيرة العودة التي ستستمر كل يوم جمعة ضجة كبرى في العالم ، وأعادت هذه الضجة قضية فلسطين الى واجهة الاهتمام من قبل المنظمات الدولية التي تعنى بالحريات وحقوق الانسان ومحاربة البطش والعنصرية والجرائم الدموية ضد الأطفال والنساء والرجال " بأي حقوق المدنيين " ، وأحرج ذلك اسرائيل لأنه أحرج الدول الغربية المؤيدة لاسرائيل ، فقد وجدت هذه الحكومات نفسها أمام شريك والشعوب تعبر عن مواقفها الرافضة والقتل واستهداف الأطفال وترفض العنصرية .
لقد اخترقت هتافات شعبنا من خلال مسيرة العودة السقف الذي نجحت اسرائيل وداعموها من الدول الغربية في تمتينه كي لاتصل صرخات ألم الأطفال الذين استشهدوا أو جرحوا لاسماع الشعوب ، ولاشك أن قدرة الآلة الغربية وهيمنتها على تكنولوجيا التوزيع والنشر والانتشار مكنتها من تمتين هذا السقف بحيث أصبح من المتعذر اختراقه .
لكن الشعوب المكافحة والمصممة على انتزاع حريتها قادرة على اختراق هذا السقف بالنضال والتضحية لأن هذا النضال يدفع العدو العنصري لارتكاب جرائم تفضح نفسها بنفسها من الافراط في الجريمة والتوغل في عنصرية الجريمة التي تبيح للجندي الاسرائيلي اطلاق الرصاص الحي على الأطفال دون محاسبة أو عقاب .
لكن هذا الاختراق لايشكل سوى فرصة لمن يمتلك الدراية والخبرة والقدرة على التعافي منها نحو الأجواء التي تعلو السقف ، وفي مثل هذه الحالة يصبح السقف الغربي أرضا صلبة لتحرك اعلامي أفعل وأكثر تأثيرا ذلك ان اختراق السقف يتيح الفرصة لأصحاب الحق والمناضلين ضد الظلم أن يطرحوا بعمق وبعد مؤثر جوهر القضية ، وحقائق الظلم والبطش والممارسات العنصرية الدموية التي ترتكبها اسرائيل .
وبما أن مثل هذا التحرك يتم في الجو الرحب فوق " السقف " ، فان الاعلام الغربي وأجهزته يصبح مضطرا للتعاطي مع مايطرح حتى وان كان معارضا وممانعا " تحت السقف " وهذا يضع على أكتاف الهيئات الرسمية وأجهزة الاعلام " الخاصة " والملتزمة بقضايا الأمة وقضية فلسطين جوهرها مسؤولية كبرى .
لنأخذ أمثلة على ما أقوله حتى يصبح الأمر أوضح : اسرائيل وقعت عقودا مع شركة فوكس نيوز بقيمة ثمانية ملايين دولار سنويا " لمراعاة مصالح اسرائيل " .
ووقعت عقودا مشابهة مع عدة جهات اخرى في امريكا واوروبا ، والهدف من كلمة " مراعاة مصلحة اسرائيل " ، ليس بالحديث الايجابي عن اسرائيل بل اخفاء مايكشف حقيقة اسرائيل العنصرية والفاشية ، وللأسف فان القنوات والاذاعات التي تلتزم بدعم المقاومة وصمود سوريا تعيش حتى الآن في دائرة ضيقة ، هي دائرة الأصدقاء ولا تخوض معارك " مستندة للقواعد المهنية الثمينة في عالم الصحافة والاعلام " ، فهي تنهمك في دائرة الصديق والمؤيد ولا تخوض معاركها مع أجهزة اعلام معادية كي تكشف بمهنية عالية ومصداقية مستندة للوقائع الغنية جدا مايرتكبه العدو الاسرائيلي ضد شعوب المنطقة خاصة شعب فلسطين .
على هذه القنوات ( التي تسعى لتكون الأكثر اتساعا ومشاهدة في وطننا العربي ) ، أن تعي مايلي : -
أولا : في ظل قرار الحكومة الاسرائيلية ابراز الرأي الفلسطيني عبر أشخاص معروفين بقدرتهم وسعة اطلاعهم على كشف ما يخطط له العدو ومايفعل . وأن تفعل ذلك يجب عليها أن تكون حريصة على معرفة ردود الففعل الشعبية على طريقة اختيار هذه القنوات للأشخاص ، فشعبنا الفلسطيني من أكثر الشعوب تتبعا للأخبار والتعليقاتمن شتى الجهات ، وخاصة من القنوات التي يعتبرها ملتزمة بقضيته ، قضية العدالة والحق ، فمصداقية القناة تصعد وتهبط لدى المواطن استنادا لمن تختار القناة للتعبير عن الموقف !!!
ثانيا : عليها أن تفرك الحصرم في عيون القنوات "المتساوقة مع اسرائيل"
وأرض فلسطين غنية بقصص وحقائق تفرك الحصرم ، وقادرة على فركه في كل ساعة في عيون القنوات الغربية .
ثالثا : عليها أن تقدم أفلاما تسجيلية وثائقية قصيرة حول قصص جرائم العدو ، وبما أن هنالك سدود في وجه أفلام من هذا النوع اذا كانت "عربية" ، عليها أن تستغل الفرصة بتكليف للقيام بهذا ، وهنا لابد أن نشير أن تلفزيون الجزيرة نجح الى حد كبير في هذا المضمار ، ونتمنى أن توجه الاهتمامت لقصص الجرائم الاسرائيلية بنفس المستوى من المهنية .
من مقاهي الضفة الغربية وبيوتها ونواديها ، ومن شاشات تطل من الركام في غزة تسمع تعليقات فورية ومتشابهة عندما يطل من شاشة قناة معروفة بالتزامها بالحق الفلسطيني وجه لاتحترمه الجماهير ويتحدث مطولا عن الجماهير ونضالها بينما هو أبعد مايكون عن ذلك ؟! يضحك الأطفال قبل الرجال !!! أو عندما تقابل قناة معينة شخصا معينا في الضفة أو غزة يعلق على حدث كبير ، وهو ليس الشخص " أو من الأشخاص " القادرين على التعليق السليم مما يضحك الناس .
الشعب الفلسطيني شعب لقمته اليومية مغموسة بالسياسة لأنها حياته أوموته ، ولاتفوته شاردة أو واردة لذلك يضحك عندما يرى أن بعض هذه القنوات تجهل ذلك وتختار اختيارات غير مناسبة ، وكم من تعليق تسمعه في الشارع عندما تغيب القنوات كليا عن أحداث هامة وحساسة لدى شعبنا ؟!!.
الاعلام سلاح يحمي الشعب والصادقين ، فان تم تغييب الصادقين تكون القنوات قد ساهمت في نزع سلاحهم ، وتكون قد ساهمت في تشجيع العدو على معاقبتهم حسب قانون نتنياهو وليبرمان ، هذه الأمور تحتاج الى عقل مفكر ... الى عقليخوض معركة مع العدو وليس معركة صغيرة في المعسكر الوطني .
ومن الوسائل الكفيلة بتحقيق انتصارات اعلامية موازية ومزامنة للانتصارات الشعبية تكليف فريق أجنبي بالعمل على انجاز فيلم قصير ، أو أفلام بهدف :
- كشف العنصرية في اسرائيل .
- القوانين العنصرية الاستعمارية لاستملاك أراضي الفلسطينيين .
- أفلام حول الاستيطان .
- أفلام حول سلب أراضي الدولة واعتبارها اسرائيلية .
فيلم حول سرقة ماخصصه قرار التقسيم من أراضي للفلسطينيين عبر التحايل على أملاك الغائبين – ويافا مثل كبير .
لماذا أقترح الأجانب ؟
لأن جوازات سفرهم مسموح بها في الأجهزة الغربية ، وأعطي مثلا أفلام BBC الوثائقية لم تنفذها BBC، بل نفذها صحفي وفريق خاص لحساب BBC، والمثل الكبير فيلم عن ياسر عرفات فقد كلفت البي بي سي الصحفية المشهورة " التي قتلها الارهابيون في سوريا " ، ماري كولفين بانجاز هذا الفيلم ، وكان من روائع BBC ، لدى ذوي الخبرة والدراية لائحة باسماء اعلاميين لهم قيمتهم في الغرب ومصداقيتهم يقفون ضد العنصرية والفاشية والاحتلال قادرون على انجاز ذلك .
أقول أجانب ليس استخفافا مما يمكن أن يقوم به الصحفيون العرب ومخرجو الأفلام العرب ، بل لأن للاجنبي أبواب مفتوحة لاتكون مفتوحة للعرب .
عادة في قنواتنا العربيةالمسؤول الأول هوالذي يأخذ القرارات ، ولذلك فان اللوم يقع عليه اذا لم يعتبر نفسه في معركة مع العدو في ميدان الاعلام الواسع " عالميا " ، فانه حتما سيغرق في قضايا محلية ووطنية لاتصل سوى للعرب .
واخيرا ، من الناحية المهنية نقول ان التجربة الطويلة ان تحدي الصحافيين والمراسلين الأجانب قادر على لعب دور كبير في تحريض الصحافيين على نقل الحقيقة ، كريستينا امانبور المشهورة في CNN ، ثمينة جدا من حيث قدرتها على تحريك رأي عام واسع في الغرب ، ولاشك أن نجاح تحديها لتقديم برنامج حول استهداف الأطفال في فلسطين والممارسات العنصرية سيلعب دورا في تحريكها .
والاعلامي الذكي ، هو الذي يضع خطة لذلك فهل لدينا مسؤول قناة تلفزيونية يفكر بهذا ؟؟ CNN، يديرها الآن WOLF أي الذئب ، فهل يعرف الاعلاميون من هو ولف ؟ هل من مسؤول قناة عربية واحدة يعرف من هو ولف ؟؟
قبل ثلاثين عاما كان ولف مراسل CNN في القدس ، وكانت تقاريره عصارة الحقد الصهيوني ، لكن أطفال حجارة فلسطين انتصروا عليه وقام الذين يملكون الخبرة والدراية بالاتصالات المتحدية للسيد ايسون جوردان الذي كان مديرا لCNN آنذاك وتحداه حول المهنية الصادقة ونقل الحقيقة والالتزام بالمبادئ ، وأجبرت CNN‘لى أن تصبح قضية فلسطين جاهزة دائما طبعا جنبا الى جنب مع الرأي الاسرائيلي الذي أصبح ضعيفا ومضحكا أمام الحقائق الفلسطينية .
مع تحياتي لكل مسؤولي القنوات العربية .