رام الله والتوسع العمراني

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

يأخذ الكثير من الناس على رام الله أنها تنهض بسرعة عجيبة مع قليل من الغمز واللمز بأن ذلك بحكم تحولها لمركز إدارات السلطة الوطنية الفلسطينية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتجاوزه الى توجيه سهام النقد الجارحة من باب انهم يريدون انتقاد أداء وزارات وهيئات السلطة فيلبسونها باسم المدينة، وهناك من يريد أن يلبس الأمور لبوساً آخر مفاده أن الأمر كله فقاعة ستنتهي آجلاً أم عاجلاً، وهناك من يباهي بهذه الفقاعة على أساس كذبة أنها نتاج لمسيرة تنموية، وآخرون يسعون لمساواة بلدية رام الله من حيث الأداء والمهنية مع بلديات أخرى تعيش أزمات عاصفة لا تُسعد أحداً بالطبع.
وتستمر حالة الجدل من شخص عادي غير متعمق بقضايا المال والاقتصاد وصولا للخبراء تارة، أن ضخامة الفروع لتلك المحلات التجارية الحديثة ويتواكب أيضاً مع أجرة عالية شهرياً لا يقبله عقل من أين سيغطون هذه التكاليف العالية، والمحزن أن أصحاب الشأن لا يعقل أن يذهبوا صوب مشاريع ذات كلفة عالية دون دراسة وتخطيط وجدوى اقتصادية، وهناك من يرى أن الأمر عبارة عن فقاعة قد تستمر عاما أو عامين على الأكثر ليس الا قياساً على ذات الظاهرة في عواصم عربية أخرى، الا أن تلك العواصم ليست محددة بمخطط هيكلي محصور وضيق، ولا يوجد فيها تصنيفات للأراضي تمنع استخداماتها بحكم ممارسات الاحتلال، بالتالي الامر لا ينطبق لأن الانتقال السلس في العواصم العربية من حي الى آخر ليتحول الى مركز استقطاب تجاري وسياحي هو بحكم التوسع في مناطق جديدة بيسر وسهولة، واستخدام الأراضي متاح بيسر.
ازمتنا ان نفكر بمسطرة قبل أربعين عاماً عنوانها أن الطيرة في رام الله كانت فارغة وتنتهي عند معهد معلمات الوكالة وكافة الأراضي فارغة، ونتندر بأول مشروع إسكان بالقرب من عين قينيا وكيف وضع الاحتلال في الانتفاضة الأولى حاجزاً عسكرياً حوّل حياة الناس في الإسكان الى مستحيلة. وننسى اليوم ان الطيرة تحوي مؤسسة القطان ومعهد الطيرة ومدارس متنوعة وفنادق ومراكز تجارية ومشاريع إسكان وميدان نيلسون مانديلا، وشُقت فيها طرق جديدة ولها مخططات أخرى.
ونغالي بالمسطرة الثانية من البعد المتشائم سياسياً واقتصادياً على اعتبار ان تلك الفقاعة نتاج تسهيلات مصرفية غير مبررة هدفها إغراق الناس بالديون للبنوك بفوائد وإلهاؤهم عن البعد الوطني، واقتصادياً بالبعد التشاؤمي ان التنمية لن تتحقق والفقاعة ستستمر مؤقتاً، وذاك تحليل فيه ما فيه، الا أن حصره في رام الله وكأنها الوحيدة من المدن خارج السياق بحيث تتوسع دائرة النقد حتى من أشخاص لم يروا رام الله من قبل.
دعني اتفق تماماً مع معطيات أهمها اتساع فجوة الدخل بين المواطنين، الأمر الذي انعكس على مكونات كثيرة من مكونات الحياة وبات المال هدفاً وليس وسيلة، وتحصيله بالإمكان ان نغض الطرف قليلا عن موضوع القيم سواء البيع على بيع اخيك أو المغالاة غير المبررة في الأسعار بصورة لم يعد بمقدور فئة اجتماعية واسعة من العيش الطبيعي، والحرمان من الإرث والاعتداء على حق الجار والبناء بالخاوة في بعض القطع دون سند قانوني، وبروز فئة تعتاش من اعمال الوساطة غير المنظمة بالقبض من البائع والمشتري، وهناك من يمر مرور الكرام ليلقي السلام فيطلب حصته «حبة حلو» على صفقة البيع، ورغم السعي لتنظيم قطاع الوساطة خصوصاً في الأراضي والعقار الا أن الأمر لم يتحقق لغاية الآن.
وذهبت الأمور الى أبعد من ذلك حيث باتت شخصية الفهلوي حاضرة بقوة واعتبار من هو ليس فهلوياً متهماً والدنيا (مش جاي معاه) فهو غير مؤهل للعيش بهذا العصر، عكس الفهلوي الذي ان سمع حواراً عقارياً يفتي ويصنف ويكون جاهزاً أن يكون جزءاً من اللعبة لينال ما ينال ومن ثم يتقمص الدور ويلبس لزوم الدور ويصبح مقنعاً لذاته انه اللاعب الأساسي في عالم العقار والاستثمار، ويحمل نفسه انه يعرف هذا الخازوق الذي يبشم لتلك الشركة وهي «غايبة فيلة»، والفهلوي يضرب بسيف معلمه الذي يضعه في مصاف التقديس وكرمال عيونه ينتقد العمل الوطني وفصائل العمل الوطني، والأداء على أساس ان معلمه صامد رغم كل تلك الكوارث وغياب الرؤيا.
في خضم هذا النقاش الدائر أو حتى الجدل تبرز حاجة لتعزيز مكانة البلدية وتعزيز دورها التنموي والتنظيمي على مستوى الوطن، ولم يعد مسموحاً أن تكون البلدية جزءاً من المشكلة، بل يجب ان تكون جزءاً من الحل، سواء من حيث فض الاعتداء على أراضي الغير دون سند قانوني، وإلزام المطورين العقاريين بتنظيم البناء خصوصاً توفير المواقف وغيرها.
اليوم باتت وزارة السياحة والآثار بالتقاطع مع البلديات مطالبة بالعمل الجاد على تصنيف المطاعم وتنظيم الدورات للسفرجية والشيفات وتطوير مفهوم الخدمة والاستقبال والعناية بالزبون، وعدم الاكتفاء بالديكور والمظهر على حساب غياب أركان المطاعم والفنادق العصرية التي تنافس، وباتت وزارة التربية والتعليم العالي مطالبة بإعادة تقييم الثانوية العامة الفندقية ومدى أهليتها لتأهيل كوادر مهنية ونقلهم صوب الجامعة في ذات المسار.