بقلم/ مدير تحرير وكالة "خبر": أ. صالح النزلي
منذ أن أبصرنا الحياة تربينا على أن فلسطين هي أرضنا التي سلبها الاحتلال من أجدادنا عنوةً وبقوة السلاح، حتى أُقيمت ما تُسمى بدولة إسرائيل فوق أرضنا الفلسطينية المحتلة، فتعلمنا أنه لا يمكن التفريط بشبرٍ واحد من هذه الأرض، وأن المحتل الإسرائيلي هو عدو لا يمكن القبول به صديقاً أو شريكاً في يومٍ من الأيام.
تعلمنا منذ الصغر أن الإسرائيليين هم أعداءُ الشعب الفلسطيني، وهم من استولوا على أرضنا وسفكوا دماء أجدادنا وأطفالنا ونسائنا وشبابنا، فكان لهذا كله كلمات لا ينساها التاريخ وعبارات رددها الشهداء الأوائل ومن تبعهم، حتى أدركنا بأنّ فلسطين ستُحرر بسواعد أبنائها وعلمهم وعملهم، وأن الاحتلال الإسرائيلي إلى زوال ولن يكون شريكاً ما استمر في سفك دمائنا، وأن إقامة الدولة الفلسطينية قادمٌ لا محالة بعلمنا وجهدنا وإثبات حقنا في الوجود فوق أرضنا كبقية شعوب العالم.
ولم يستسلم الشعب الفلسطيني على مدار سنوات احتلاله لأي من عبارات الرضوخ والاستسلام، بل عمِل على نفض غبار المستسلمين والسعي نحو التحرير من الاحتلال الإسرائيلي، كلٌ حسب عمله وعلمه سواء كان بالمقاومة أو النهوض بالذات والعمل على تحقيق وإثبات مكانة الفلسطيني بكافة المجالات العلمية والاقتصادية والفنية والحياتية، وصولاً لإثبات حقه في الحياة بكرامة فوق أرضه المحتلة.
كما يُعبّر الشعب الفلسطيني عن اعتزازه على الدوام بنجاحاته في شتى المجالات، فكان منها العلمية والفنية والاقتصادية بل والعمرانية، ليس لشيئ سوى إثبات حقه في الوجود، وخرّجت فلسطين العلماء والأطباء والفنانين وأبدعت في شتى المجالات، حتى أصبحت بصمة الفلسطيني حاضرةً في المجتمع الدولي والعربي، ففي المجالات العلمية استطاع العديد من الفلسطينيين أن يُثبتوا أنفسهم ورفعوا اسم فلسطين ومثلوها في المؤتمرات الدولية، ولم تقف تطلعات أبناء شعبنا عند هذا الحد، بل اتسعت إلى المجالات الفنية والتي كان لشبابنا حضوراً واضحاً فيها، وأيضاً الاقتصادية من خلال دخول سوق الأموال والأعمال وإثبات الذات الفلسطيني، وأيضاً العمرانية من خلال إقامة مشاريع ضخمة يحق لكل فلسطيني أن يفتخر بها، والتي كان منها مدينة فلسطينية هي "روابي" التي مثلت لشعبنا منارةً تعكس التطور الحاضر وتصله بالماضي العريق.
ويسعى شعبنا على الدوام لجعل نجاحاته منارةً للعالم أجمع وذخراً يفتخر به لتأكيد سعيه في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن المؤسف هو ما كشف عنه الإعلام العبري بزيارة جنود إسرائيليين لمدينة "روابي" التي واكبت أحدث ما توصل إليه فن العمارة والتخطيط الحضاري، وذلك في زيارة سرية ارتدى خلالها الجنود الإسرائيليين اللباس المدني وبمرافقة ضابط من أجهزة السلطة، الأمر الذي يؤكد حجم التعاون الأمني، وفي ذات الوقت يفتح العديد من التساؤلات حول الجهة التي سهلت هذه الزيارة والأسباب الغير معلنة لها.
إن هذه الزيارة والتي لا أود تسميتها بذلك، بمثابة تأكيد على حجم التطبيع في كافة المجالات مع الإسرائيليين وليس فقط الأمنية، كما يفتح المجال للسؤال عن أسبابها؟، وهل تمت بعلم إدارة المدينة؟، وإن كان كذلك فما هو دافعها؟، كما أود الإجابة على بعض من سيدعي بأن إقامة دولة فلسطينية يتطلب الانفتاح على العالم بما فيها إسرائيل التي هي دولة أمر واقع، فهذا المنطلق يتم أخذه بالحسبان حين يتم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وليس في وضع الاحتلال الذي يبطش ويقتل في كل يوم أطفال ونساء وشيوخ ورجال وشباب الشعب الفلسطيني.
قال في قديم الزمان القائد الشهيد صلاح خلف، "أخشى أن يأتي يوم تُصبح فيه الخيانة وجهة نظر"، ففي كل يوم يتأكد لنا أنّ "أبا إياد" كان رجلاً محنكاً يستقرأ المستقبل بعشرات السنين، فأي حالٍ الذي وصلنا له من استقبالٍ للإسرائيليين المحتلين في أرضنا، بل تسهيل لهم التجول داخل فتات الأراضي التي تبقت بعد احتلالهم واستيطانهم وتغولهم على حق الشعب الفلسطيني وأرضه وعرضه.
وبكل أسف وصل الواقع الفلسطيني إلى درجة لا يمكن التعايش معها، من حيث حالة التشرذم وغياب البرنامج الوطني الذي إن وجد سيضعُ محددات للتعامل مع الاحتلال طالما أن الشعب الفلسطيني لم يحظى بإقامة دولته للعيش بكرامة كما باقي الشعوب فوق أرضه المحررة ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية، فيا سيادة الرئيس ويا كل قيادات هذا الشعب، أقولها وأنا شابٌ في مقتبل العمر: "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيّته"، وقد حان الوقت لوقف إهدار طاقات أبناء شعبنا وشبابه، فهذا البيت أصبح إصلاحه ضرورة ملحة وعاجلة، ولن يرحم التاريخ كل من تخاذل وتآمر على قضيتنا الفلسطينية العادلة التي سيُكتب لها النصر، شاء من شاء وآبى من آبى.