شكرًا لميركل، شكرًا لألمانيا

hamada_faraina_ecrivain_palestinien1.jpg
حجم الخط

 

 

منذ أن تولت أنجيلا ميركل موقع المستشارية في المانيا قبل ثلاثة عشر عاماً، وهي تحافظ على علاقات متوازنة بين فلسطين والمستعمرة الاسرائيلية، فثمة عقدة لدى الشعب الألماني صنعتها جرائم النازية جعلتهم في حالة ضعف أمام اليهود، توجتها ميركل في الحفاظ على عقد اجتماعات دورية بين حكومتي برلين وتل أبيب، ولكن ذلك وفر غطاء لسياسة ميركل نحو الانحياز الايجابي التراكمي من قبل المانيا نحو فلسطين وشعبها وقضيتها وحقهم في الاستقلال ورفضاً لسياسات حكومة المستعمرة الاسرائيلية واجراءاتها الاحتلالية الاستعمارية ضد الفلسطينيين. 
وقد عبرت المانيا عن هذه السياسة وقيادتها للمجموعة الأوروبية نحو التصويت لصالح فلسطين في المحافل الدولية وقد برز ذلك قوياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23/12/2017، حين صوتت مع قرار رفض الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للمستعمرة الاسرائيلية، ولدى منظمة الصحة العالمية الذي شجب سياسات تل أبيب العلاجية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني، وأوضح من هذا كله موقف المانيا من الأونروا في دعمها وزيادة مساهماتها تعويضاً عن حجب المساعدات الأميركية عنها، كما جاء موقف ميركل المعلن نحو رفض جرف قرية الخان الأحمر شرقي القدس من قبل حكومة نتنياهو موقفاً حازماً، وسواء تم تأجيل هدم الخان الأحمر ليوم أو ليومين أو لأكثر، فقد دفع اهتمام المستشارة الألمانية لها، لتجعل منها قضية سياسية مهمة ومهيبة لصالح الشعب الفلسطيني وضد المستعمرة الاسرائيلية مباشرة. 
ازالة الخان الأحمر وتشريد أهلها عملاً مجرداً من الانسانية، وهو ما يدفع أوروبا بأغلبيتها للتضامن مع أهلها، ولكنها قضية سياسية بامتياز في نفس الوقت فهي الحلقة الأخيرة في مسار تدمير الوحدة الجغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، اذ أن المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي يهدف الى توسيع مستعمرة معاليه أدوميم شرق القدس الى حدود نهر الأردن والبحر الميت بهدف تمزيق الضفة الفلسطينية الى نصفين مفصولين عن بعضهما، وتحول دون التواصل الجغرافي بين الخليل وبيت لحم في جنوب الضفة، وبين نابلس ورام الله وجنين وطولكرم شمالها، وتتحول الضفة الى ضفتين مقطوعتي الصلة كما حاصل حالياً بين الضفة والقطاع. 
لهذا تقف أوروبا ضد اجراءات العدو الاسرائيلي وسياساته واجراءاته لأنها تحول دون حل الدولتين، وتمزق الأرض الفلسطينية وتجعل أهلها أسرى التمزق والتجمعات المنفصلة بالضبط على غرار جنوب افريقيا العنصرية المهزومة. 
أوروبا اليوم أكثر رفضاً للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، فالاجراءات الاستعمارية الاسرائيلية تُحرر أوروبا من عقدة اللاسلامية ومن تهمة العداء لليهود، ولولا قوانين الحظر السائدة التي تمنع المواطن الأوروبي من المس باليهود ونقدهم لأرتفعت أصواتهم عالية منددة ورافضة وشاجبة للسياسات الاستعمارية الاسرائيلية، ولذلك نشهد تراخي أو صمت أو نقد أوروبي هادئ شديد الحساسية للسياسات الاستعمارية الاسرائيلية ذلك لأن الاعلام الصهيوني المتنفذ في أوروبا وأميركا يملك القدرة التضليلية لربط النقد للسياسات الاسرائيلية مع العداء لليهود وكأنهما قضية واحدة. 
أوروبا تتراجع خطوة خطوة عن دعم المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وتبتعد عنه، وتتقدم خطوة خطوة نحو الاقتراب من المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وهذا عامل مهم يجب صيانته والحفاظ عليه وتطويره، لأن العامل الأوروبي هو العامل الحاسم القوي الذي ساعد الصهيونية على استعمار فلسطين، خاصة بريطانيا بقراراتها وفرنسا بأسلحتها والمانيا بتعويضاتها المالية، واليوم حينما تتبنى أوروبا دعم واسناد المشروع الوطني الفلسطيني بحل الدولتين، وتتبنى تغطية احتياجات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الأونروا والحفاظ عليها واستمراريتها فهي دلائل واضحة تستدعي المزيد من العمل نحو اعتراف أوروبا العلني والصريح بالدولة الفلسطينية.