تسريب عقارات في القدس

134331537454825.jpg
حجم الخط

 

يُقرأ بيان كتائب شهداء الأقصى، فيثير الشجن، لا سيما وهو يضع بعض النقاط على بعض الحروف، ويسلط الضوء على أسماء مارقين ساقطين، اضطلعوا ويضطلعون بعمليات تسريب عقارات مقدسية، ونقل ملكيتها الى المستوطنين اليهود. فقد نشأ مصطلح التسريب، من واقع امتناع الأسر الفلسطينية الشريفة المعوزة، عن بيع عقارها ليهودي، فيضطر هذا اليهودي الى استخدام ساقط لكي يتقدم باسمه وبهويته الفلسطينية لشراء العقار، ومن ثم يبيعه للطرف الذي يُحرَّم البيع له تحريماً باتّاً، ويعتبر خروجاً عن قيم الدين والشرف الوطني.

كم من الأموال الفلسطينية صُرفت في السنوات الأخيرة، باسم القدس، ولمحافظين وحاملي ملفات مقدسية وتنظيمات ومكاتب؛ دون أن يكون لهؤلاء أية فاعلية في سبر أغوار القدس وتأسيس علاقات مع الأسر المقدسية وتحسس مشكلاتها. فقد ظل العمل الفلسطيني على صعيد القدس، شبيه العمل على أصعدة أخرى، هزيل وسطحي واستعراضي وغير ذي مبادرات لتحصين الموقف المدافع عن هوية المدينة وعقارات المواطنين فيها. وللأسف، كان الضالعون في تسريب أراضٍ وعقارات، يجدون ملاذهم لدى الجهة التي يُفترض أنها تردعهم، ما جعل الرأي العام الشعبي المقدسي، هو الحامي الأول والأخير للعقار الفلسطيني في مدينته وأرضه ووطنه. ولم تشهد السنوات الأخيرة استدعاءً أو ردعاً لضالع في تسريب عقار أو مشتبه في ضلوعه. ويعرف كاتب هذه السطور واحداً من هؤلاء، تصادف أنه صديق لنجل عباس، تم تعيينه سفيراً لدى بلد مهم. ولم يكن الاشتباه في ضلوعه في التسريب، مرسلاً أو بغير قرائن، لأن كاتب هذه السطور سلّم أعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح، نسخة من رسالة تلقاها قسم التصديقات في وزارة الخارجية الفلسطينية، من جهاز المخابرات الفلسطينية نفسه، تطلب إدراج اسم المتهم بالتسريب، في قائمة المحظورين من الحصول على أية تصديقات أو توكيلات، سواء كانت منهم أو اليهم. ويقيني أن اسم الشخص لا زال مدرجاً كما تركته. فقد كان للمشتبه به قضايا في هذا الشأن الشائن، منظورة أمام المحاكم، فطويت القضايا وفُتح له بدلاً منها كتاب اعتماده سفيراً دون أية مُسوّغات أو علاقة بالمهنة، لكي يمثل الشعب الفلسطيني وقضية القدس!

المناخ العام الإحباطي والمُحبط، في الضفة (والقدس في قلبها) مسؤول عن تجرؤ الساقطين على الضلوع في التسريب، بدافع الإطمئنان الى سهولة الإفلات من العقاب، على الرغم من الثرثرة الفارغة عن تحريم البيع والتلويح للسماسرة بمغبة الثبور وعظائم الأمور. ففي واقعة اتهام الشخص الذي أصبح سفيراً، سلمنا وثيقة جهاز المخابرات الفلسطيني الى من يتولون مسؤوليات في السلطة، ولم يجرؤ أيٌ منهم على طرح القضية والمطالبة بالتحقيق. فقد كنا بصدد توصية لقسم التصديقات في وزارة الخارجية، وكان الواجب هو انتهاء النظر في الاتهام أمام المحاكم، لا أن يُكافىء المتهم، بمنصب سياسي وبمهمة وطنية!

في هذا المناخ العام، يمكن أن يصبح أي طرف، فلسطيني أو عربي، يسعى الى حماية عقار، هو المتهم بمحاولة تسليم العقار الى العدو. فهذه طريقة الشغل والنصب، لتلغيم الطريق أمام من يسجل أية مبادرة شخصية أو فردية لإنقاذ عقار. ولهذه الطريقة بيادقها من عديمي الشرف والنصابين. ففي بعض الوقائع، وفي الزمن الرديىء، أصبح مصير العقارات الفلسطينية في القدس، عرضة لخلافات وللكيديات السياسية الداخلية المشبعة بالاتهامات الجُزافية التافهة والمُرسلة!    

كان المرحوم فيصل الحسيني، الذي قضى في ظروف لا تزال غامضة، صخرة صلبة تقف في الصف الأول من الدفاع عن عقارات القدس. بل كان لكاتب هذه السطور شرف المشاركة معه، في إنقاذ عقار لعائلة "نيروخ" في المدينة، التي اضطرت لبيع العقار أو تأجيره، لكنها طالبت عن طريق كاتب هذه السطور، بضمان ألا يصل الى أيدي اليهود، إذ اشتبهت في مقاصد المتقدمين للشراء. وبغياب فيصل، تداعت الأمور، وهزُلت المواقف، وبدأ الساقطون في اللعب بالبيضة والحجر!

المسألة اليوم، بالمحصلة، تختبر كل الأطراف، وأولها السلطة. فالضالعون في التسريب موجودون ويرتعون، وملفات العديد من العقارات التي تم تسريبها مطروحة، وها نحن نتابع وسنرى!