"أنا ممتن جدًّا لكوني أحد أفراد تلك العائلة المؤقتة، وكان الركاب ينزلون في محطاتٍ مختلفة تباعًا، وشيئًا فشيئًا كانت عائلتي الجديدة تتفكك وتتلاشى".
بهذا النص الأدبي الذي انقطع بوجعه عن الحياة، بدأ الجمهور يصفقِّون إبداعًا جديدًا، ويرحبُّون بوليدٍ أدبيّ، صُنِع بروح صاحبه، لا يديه".
المجموعة القصصية "الآثار ترسم خلفها أقدامًا" للكاتب الراحل مهند يونس، والتي تمَّ توقيع عقدها بمبادرةٍ من متحف محمود درويش برام الله، ومركز غزّة للثقافة والفنون، في فندق الكومودور.
وجاء توقيع هذا الكتاب، كخلودٍ أدبي، لأمنية الراحل يونس، بعدما كان يتمنى إصدار هذه المجموعة القصصية في حياته، لكنَّ الموتَ الذي اختاره مهند بنفسه حال بينه وبين أمنيته، ليأتي بعدها كلُّ من آمن بهذه الرسالة، وعرف حروف المهند التي كتبها بواقع شابٍّ فلسطيني لم يتجاوز الـ22 ربيعًا من عمره، كان يبذل جهده ليعيش أيَّ حلمٍ من أحلامه، على هذه الأرض، كأن يعيش في كنف عائلةٍ كاملة، أو مجتمعٍ فيه أيّ نوعٍ من أنواع الحياة، لكنَّ محاولات البقاء بعد هذا السعي الموؤد باءت بالفشل أمام مهند.
وفي هذا السياق أكد الكاتب غريب عسقلاني، على أن خطوة إصدار هذه المجموعة لم تكن اعتباطية، فعندما لمس الكتَّاب كل أمنيات مهند التي حوَّلها إلى حروفٍ قصصية، بدأ السعي القوي لتحقيق أي شيءٍ من هذه الأحلام، فكلماتٌ كهذه الكلمات الأدبية الدقيقة لا يجوز أن تبقى حبيسة الأوراق أبدًا.
من جهته أشار الكاتب يسري الغول، إلى أن حفل توقيع كتابٍ بعد رحيل صاحبه، هي هديةٌ لخلودٍ أدبي، فماذا لو كان هذا الكاتب هو مهند يونس؟!
ودعا الغول إلى ضرورة تكثيف الجهود من كل الجهات المسؤولة لدعم الشباب المبدع، والحرص على شدِّ أيديهم للحياة وتخفيف وطأة التعب التي فرضتها القيود والظروف الصعبة على قطاع غزة، قبل أن يصل الشباب لنقطة الانفجار المؤلمة التي وصل إليها يونس، ورحل بخسارةٍ شديدة لكلِّ من عرف مهند، وأحبَّ حروفه، وطريقة سعيه الحثيثة للبحث عن الحياة.
وتطرق الكاتب محمود جودة، إلى أهمية هذه اللفتة التي دفعت الكُتَّاب أن يجتمعوا في هذا الحفل لروح مهند، ليؤكِّدوا جميعًا أن الموت مهما كان شكله، لا يقطع سيرة الإبداع والأمل في شدِّ قلوب الباقيين للحياة.
وبيّنَ جودة أنه حاول مرارًا أن يذكر شيئًا عن مهند في كتابه "رسائل إلى بغداد" لكنه في كل مرة كان يكتفي برسالة واحدة، مفادها أن مهندًا ما رحل إلَّا لأنه يريد حياةً تليق بسعيه وطاقته التي كانت تُستنزف في كل محاولة ضياع للحقيقة.
وأمّا عن الوجع الأكبر الذي لا يمكن للأيام مهما طالت بساعاتها أن تطويه عن قلبها، أم مهند يونس، السيدة التي حاولت أن تداري وجعها، ليس ضعفًا، إنَّما إيمانًا منها أنها اليوم تحتفل بحبيبها الراحل ليبقى حاضرًا في كل مكانٍ أحبَّه مهند.
"أشعر أن روح مهند ترافقنا الآن، تطوف في المكان، تصفق مرةً وتضحك مرة" هكذا عبَّرت أمُّه عن شعورها بهذا الانجاز الذي تمنته طويلًا لمهند، لكنَّ رغبتها كانت بوجود مهند، جسدًا لا روحًا فقط.
وختمت حديثها بالشكر والامتنان لكل من يسعى للحفاظ على سيرة مهند الطيبة، ونشر نصوصه التي كان يكتبها بالحبِّ والخيال ليستطيع مواصلة حياته الأدبية.
يُذكر أن الراحل مهند يونس قد وُلِد في مدينة غزة في الـ23 من آب لعام 1994، وتوفي بتاريخ 29 آب لعام 2017 بعد أن وضع حدًّا لحياته بطريقةٍ مأساوية.
ونشر يونس العديد من المقالات والقصص القصيرة اللافتة في مجلاتٍ أدبية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وحصل على جوائز محلية عديدة.