خلال الشهر الماضي حصلت عدة تطورات في مخيمِ عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين أوحت للمعنيين أو المُراقبين أنّ المُخيم قد يكون مقبلاً على أمرٍ ما يحضّر أو يرسم له، إلى حدٍ بلغَ ببعضِ المستويات للإعتقاد أنّ ثمة مهمة وظيفية لجهات في المخيمِ تنتظر ترتيباتها النّهائية من أجلِ البدء بمشوار التنفيذ، أو الإستفادة من أجواءِ قد تتوفر من أجلِ ترتيب أمورٍ أمنية تخصها.
المُثير للقلق، أن عدة عوامل ليس من الضروري أن تكون مُشابهة بحالة عين الحلوة الأمنية، بدأت تظهرُ في المخيماتِ القريبة من بيروت في الفترةِ القصيرة الماضية، أوحت أيضاً أن خطباً ما يطرأ على صعيد طبيعة المخيمات، وسط خشية من إمكان وجود جهة مُحرّضة تبني على إستفادةٍ ما والبحث جارٍ عنها.
الذي حصلَ الشهر المُنصرم في مخيم عين الحلوة معطوف على ما جرى خلال رزمة أشهر مضت وانحصر في شقوقٍ أمنية، يوحي أن البيئة الصراعية في المخيم متوفرة بين عنصرين، علماني تمثّله حركة فتح وحلفائها، وإسلامي تُمثّله التيارات الجهادية وبعض الإسلامية من جهةٍ ثانية، وهذا يصلح للإعتماد عليه في حالِ أرادت جهات ما تطبيق سيناريو ما في المُخيم، على أبواب ما يُحكى عن صفقةِ القرن و مرتباتها.
وهذا ما أعطى لجهات أمنية معنية أمر التّرقُب والإبقاء على إستطلاع الأوضاع والمُحافظة على العلاقات ذات البُعد الأمني والسّياسي المعقودة مع أطرافِ فلسطينيين داخل المخيم، من أجلِ احباط أي مسعى قد ينبري أحد ما في لحظةٍ سياسية ما لفتح بابه.
بالتوازي مع قرارِ الولايات المُتحدة الأميركية خفض المساعدات التي تخص بها وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيين -الأونروا ، سادَ انطباع لدى المعنيين حول إحتمال أن يكون خلف قرار التخفيض بالنسبة الى الشّق اللبناني، أمور تتجاوز الأسباب المُعلنة أو المُشار اليها، وقد ترتبط بـ "ترتيبِ جو ساخن" يَخدم مبدأ التوطين.
اللّافت، أنه وبالتوازي مع الإعلانِ عن وقفِ الإمدادات، ذهبت الأمور في مخيمِ عين الحلوة الى تصاعدٍ بالتوازي مع عددٍ من المُخيمات الأخرى، واللّافت أكثر أن الأمور تأخُذ منحى "رد الفعل" على قرارِ تخفيض مُساعدات الأونروا، وبعضها يحمُل جوانب أمنية - عسكرية صرفه وواضحة.
وقد رأى البعض، سيّما معنيين بمجال الأمن داخل مجالسهم الخاصة، أن إرتفاع وتيرة الشّحن والتصعيد داخل المُخيمات بالتوازي مع هذا الملف، قد يفلت بعض الأمور و يخرجها عن السّيطرة. الأمر الأكثر خطورة هو أنه وفي حال عدم إيجاد البديل عن الأونروا المعروض اليوم توفير بدائله من قبلِ الحكومات، قد تنجر الأمور ليسَ الى مواجهة بين الجّهة الأساسية التي تسببت بالمُشكلة، أي الولايات المتحدة أو مع الأونروا، بل الحُكومة اللبنانية التي يصبح لزاماً عليها تَحمُّل جانب من النتائج السّلبية كنتيجة غياب البديل الحيوي وتلزيمها الحلول، عندها يُمكن وضع الدّولة اللّبنانية في مواجهةٍ مطلبية مع الفلسطينيين!
يؤشّر هذا الكلام إلى أسلوب قد يعتمد مِن قِبَل الدّافعين لمبدأ التوطين قد يجري إستغلاله والإفادة منه في مشروعهم، والفرص هنا تتحدث عن إحتمالات تردّي المُساعدات والأوضاع المعيشية داخل المخيمات، والتي ستجبر قسم من الفلسطينيين لاحقاً على الخروجِ من "الجحيم" والسبيل الى ذلك المناطق اللبنانية القريبة، وهُنا يُصبح منع هذه الخطوة بالإستناد إلى بعض القوانين المبرومة كمنعِ التّملُك وغياب حق العمل، يقومُ على أسبابٍ عنصرية قد تستثمر في إسقاطِ المحاولات، وفي أعقابِ ذلك يُصبح الإنتشار الفلسطيني في المدنِ أمر يفوق قُدرة الدّولة على الحدِّ منه، وهو ما يوفر تطبيق لنظرة تحمّلها غالبية المؤسسات الدولية التي تطرح الإندماج بين الفلسطينيين واللبنانيين كشرط أساسي يوفّر مبدأ التوطين!
هُناك حديث آخر طغى في أعقابِ وقف المُساعدات، وهو إحتمال أن تكون بعضِ الدول تسعى الى توليدِ عصبيات واحتقاناً لدى عموم اللّاجئين الفلسطينيين سيّما في البلدانِ التي تمتلك تلكَ الدُّول اجندات فيها، تؤدي الى نباتِ توترات داخلية تنسحب الى الخارج وقد تذهب الى حدودِ صراعات مسلّحة داخلية - داخلية او داخلية مع المؤسسات الأمنية اللّبنانية، ما يؤدي لغرض التجهير ثُم إخراج المُخيم من مهمتهِ الأساسية أي حفظ اللاجئين.
يذهبُ المثال دوماً الى نموذجِ مخيم نهر البارد الذي دخلَ في إشتباكٍ مع الجيش اللُّبناني بأوامر خارجية اقحمت جماعة سلفية بمعركة مع الجيش، أدّت في النهايةِ الى تدميرِ المُخيم وإخراج سكّانه منه، ثُم إخراج كامل المُخيم عن وضعية "اللّجوء" بحيثُ أصبحَ "مُخيماً سابق".
وبالإستناد إلى هذا المنطق، فالمجالات متوفرة، فما المانع مثلاً من قيامِ جهات إستخبارية إقليمية أو دولية من تشغيلِ خلايا أو جهات مُسلّحة في المخيمِ أو المخيمات من أجلِ التوظيف في مشاريعٍ ما؟ هذا الأمر أثبت صحّته بالإستناد الى أكثر من تجربةٍ في لُبنان وسوريا أيضاً.
في غياهبِ بَعض المجالس، ثمّة نقاش طُرح مؤخراً حولَ مسعى أميركي لتفكيكِ مُخيمات اللّجوء الفلسطينية في لبنان، بعد أن جرى الإنتهاء من مخيماتِ اللّجوء في الأردن ونَظرتها في سوريا. المُثير للإنتباه أنّ عوامل التفكيك في الدولتينِ لم تكُن لتحصل لولا إعتماد أساليب عسكرية، وهو أمر مطلوب في ظلِّ إعتقادٍ أميركي أنّ المُخيم يوفِّر موجبات حفظ الهوية الفلسطينية وسبب رئيس لرَفض التوطين، مِن قِبَل اللّاجئين ثُم الدّول المُضيفة لهم، لذا ومِن أجلِ انتزاع هذه الثّابتة وتحوّلها الى فرضية منقوصة، على من هو بمعني بتطبيق "صفقة العصر" أن يضب آخر خيمة نزوح، حتّى لو جرى إستخدام الوسائط غير التقليدية.