دون سابق إنذار، اخترقت أصواتٌ غريبة تطالب بالإخلاء آذان عائلة أبو هاني الغزالي المجتمعة في بيت ابنهم فادي الذي سيحتفل بزفافه بعد أربعة أيام، وذلك أثناء استعدادهم لتزين بيته الذي سيسكنه هو وزوجته "الهاربة من الموت".
على أنقاض بيته المحطم إثر استهداف طائرات الاحتلال لبناية "الرحمة" بمدينة غزة مساء الإثنين الماضي، يروي العريس فادي الغزلي، ابن الـ"21" ربيعاً، لمراسل وكالة "خبر" المأساة الأليمة التي ألمّت به، وتسببت بإلغاء زفافه المرتقب.
جهد مقصوف
قال فادي: "ذهب جهدي الذي بذلته لما يزيد عن أربع سنوات، أدراج الرياح في أقل من دقيقة"، يسرد العريس الذي تم تأجيل زفافه تفاصيل ما حدث معه مع تعابير حزينة مرسومة على وجهه، تُظهر مدى القهر المكنون في قلبه.
,يعمل الغزالي منذ سنوات بصناعة الحلويات في محل والده الكائن في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزّة، والذي استهدفته قوات الاحتلال في عدوانها على غزّة عام 2014، ما أدى لإغلاقه لبضع شهور نتيجة عدم حصوله على تعويض يساهم في إعادة ترميمه.
كفاح محبّين
تعرّف الغزالي على خطيبته السورية التي كانت تقطن في مدينة "ادلب" حيث القصف والدمار المستمر، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي قبل ثلاث سنوات، وكانت هنالك قرابة ضعيفة تجمعهم بواسطة عمّته "أخت والدته".
في الوقت الذي كانت تكافح خطيبته التي رفض ذكر اسمها لأسباب شخصية وضمان عدم تعثر حصولها على أوراق السفر، كان فادي يجمع المال ليوفّر لها المسكن الذي يليق بها، حيث استمرت فترة خطبتهم لـ ثلاث سنوات حتى استطاع كلٌ منها صنع ما يريد.
وكانت خطيبته سعيدة جداً بسفرها إلى زوجها في غزّة، رغم الخوف الشديد الذي تملكها فيه لوحدتها، حتى أنها "أحضرت معها فستان عرسها الذي أعدته في سوريا"، وذلك بحسب ما قالته والدة العريس الأربعينية "أم هاني".
وأوضحت أم هاني، أنّ أول لقاء جمع المحبّين معاً، يوم الخميس الماضي بعد منتصف الليل، عندما استطاعت خطيبته الوصول إلى غزّة عبر معبر "رفح البري" بسلامة، بعد رحلة سفر استمرت ثلاثة أيام، واستقبلها فادي بعناق بقي لبرهة من الزمن.
كما استقبلت عائلة الغزالي "كنّتها" بإقامة حفلة صغيرة، تعبر فيها عن مدى سعادتها، وفي صباح اليوم التالي انشغل الجميع بالتحضير ليوم الزفاف المنتظر بتاريخ الثامن عشر من الشهر الحالي.
استهداف الفرحة
لم يُصدق "فادي" تلك الأصوات الغريبة التي نادت بالإخلاء، حيث قال لمراسل "خبر": " كنا مجتمعين في البيت مطمئنين سعداء، وكان القصف بعيداً عنا".
وأضاف: "أخلينا البيت بسرعة، رغم الخوف الشديد الذي تملّك النساء والأطفال، ولم تمر الدقائق حتى قصفت طائرات الاحتلال مبنى "الرحمة" الذي يجاور منزلنا".
وتابع الغزالي: "لم نتوقع أن يحصل القصف بجانبنا، كنت أظن نفسي في كابوس، لم أتوقع أن تدمّر فرحتنا التي كنا ننتظرها لسنوات".
الفستان يشهد
واستهدفت طائرات الاحتلال مساء يوم الإثنين مبني"الرحمة" بحي الشيخ رضوان في مدينة غزّة، ما تسبب بتدمير غرفة نوم فادي بشكل شبه كامل، وذلك بعد دخول جزء من سقف البناية فيها إلى جانب أضرار جزئية في الغرف الأخرى.
وحملت أم هاني (44 عاماً)، فستان الفرح الذي جلبته زوجة ابنها من سوريا، معلقةً إياه في واجهة الخزانة التي بقيت صامدة، لتقول للعالم هنا كنا سنُقيم فرح نجلي، ولكن طائرات الاحتلال استهدفته.
وقالت أم هاني لمراسل "خبر": "عندما رأيت عروسة ابني تبكي في ليلة القصف حاولت تهدئتها، ولكن لم أستطع لأني أنا أيضاً كنت خائفة"
وتابعت وتعابير وجها تُوحي بالحزن الشديد الذي يعتصر فؤادها: " جبناها – تقصد خطيبة ابنها- من موت لموت، وأتمنى أن تسامحني"، مناشدةً جميع الدول العربية ومؤسسات حقوق الإنسان بالنظر إلى أهل قطاع غزّة، واصفةً إياهم بـ "بالموت في كل ثانية".