كتب مدير تحرير وكالة "خبر": أ. صالح النزلي
سادت خلال الأيام الماضية أجواء التفاؤل في أوساط الفلسطينيين خاصة في قطاع غزّة الذي شخصت عيون أهله إلى القاهرة بحذرٍ وخوف شديدين، لمعرفة ما ستؤل إليه الحوارات التي تخوضها وفود وصلت القاهرة تباعاً لبحث ملف المصالحة، على الرغم من تيقن غالبية أبناء الشعب الفلسطيني بعدم وجود النية الحقيقية لدى كلا الطرفين بإنهاء الانقسام، إلا أنّ البعض اعتبرها أحلاماً يُمكن أن تتحقق انطلاقاً من المسؤولية الوطنية لمواجهة أخطر مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية.
ورأى البعض أنّ هذه الجولة تحملُ نوعاً من الجدية لدى حركتي فتح وحماس بإنهاء الانقسام، خاصة في ظل ما تتعرض له مدينة القدس من عمليات تسريب للأراضي، بالإضافة إلى رغبة مصر في إنهاء ملف المصالحة الذي طال أمده، لكّن الآمال الفلسطينية والخوف من نتائج الفشل على مستقبل القضية ومدينة القدس، لم يشفع لدى قيادة الحركتين في تجاوز الخلافات الداخلية والنأي بها عن المصالح الوطنية التي انطلقوا على أساس تحقيقها، كما أنّ الأوضاع التي تُعايشها غزّة وأهلها لم تُسهم في تغيير وجهة طرفين يتمسكان بالمصالح الشخصية والخاصة دون النظر إلى ما وصلت إليه أوضاع المواطنين.
إنّ البؤس والفقر المرتسم على وجوه الغزّيين جراء استمرار الحصار المفروض عليهم منذ 12 عاماً، عدا عن تحمل ثلاثة حروب متتالية في ثباتٍ راسخ لم يسبق له مثيل، ورباطة جأش أمام حرمان أبناء غزّة من أدنى مقومات الحياة، بالإضافة إلى ضياع أراضي القدس التي يُسربها عملاء الاحتلال، وحملات الاعتقال التي يشنّها الاحتلال يومياً في كافة مدن الضفة والقدس، وكل ما تمر به القضية الفلسطينية من نكسات أولها الانقسام الذي تسعى إسرائيل لتغذيته لتمرير صفقاتها ومخططاتها في التطبيع وعزل غزّة عن القدس والتفرد في كل بقعة بشكلٍ منفرد، فهذا كله لم يدفع قيادات الانقسام نحو التحلي بالمسؤولية الوطنية الفلسطينية من خلال الخروج بموقفٍ وطني مُشرف يُسجله التاريخ بإعلان تجاوز كافة الخلافات من أجل التفرغ للقضية الأقدس.
وما شاهده الجميع من حملات ردحٍ عبر الفضائيات والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، يؤكد على أنّ جولات الزيارة التي يتوجه خلالها المسؤولين إلى القاهرة الهدف منها هو التنزيه عن النفس والحوار من أجل الحوار فقط، بل يؤكد لمن يريد أنّ يستمر في تغيشة عيناه عن الواقع الذي أصبحت فيه الفصائل لا يعنيها سوى مصالحها الشخصية أنّ أي جولة للمصالحة مصيرها الفشل ما لم يتحلى طرفي الانقسام بالجدية الكافية لإنهاء معاناة شعبهم، كما يؤكد على أنّ الموقف الراهن والذي باتت المصالحة فيه حُلماً صعب المنال يستدعي موقفاً شعبياً واضحاً يطالب الفصائل بتطبيق ما قالت إنها انطلقت لأجله وهو تحرير فلسطين وصد أي مؤامرات تُحاك ضد القضية الوطنية.
الشعب هو مصدر السلطات وهو المسؤول عن توجيه سياسات وطنه نحو الصلاح أو الفساد، والاستمرار في دور تأدية الضحية لن يؤتي لشعبنا أي نتيجة طالما بقي الصمت قائماً فإن الانقسام والدمار الذي لحق بالقضية الفلسطينية من تبعاته سيبقى مستمراً وقائماً، ولا شك أنّ حالة الرضوخ والقبول بالوضع الراهن ستؤدي إلى مزيدٍ من اندثار حقوقنا الوطنية، لذلك بات من المهم بل ومن الضروري وجود موقف شعبي صريح من النكسات المستمرة التي تُلاحقنا منذ بدء الانقسام وأحداث الاقتتال الداخلي، يُشارك به الكل الفلسطيني في غزّة والضفة والقدس المحتلة، لنكون جمعياً أمام اختبارٍ حقيقي فإما القبول بالوضع كما هو والاستمرار في الحالة التي وصلت إليها قضيتنا، أو لفظ الانقسام ومسببيه.
إنّ الانقسام الذي أثر على كافة مناحي الحياة، ودمر النسيج الاجتماعي، وألحق بالغ الضرر بالقضية الفلسطينية، في ظل تنكر طرفي الانقسام لأي منها وعدم الاستجابة لعذابات الشعب الفلسطيني وإهدار تضحيات جسام قدم خلالها شعبنا على مدار 60 عاماً الغالي والنفيس من أجل تحرير وطنه، يستدعي أنّ نقف مع أنفسنا وأنّ نقول للانقسام كفى، فمستقبل أبنائنا في أيدينا وإنّ استمر صمتنا سنرى أعمارهم تُهدر أمام أعيننا كما هُدرت حقوقنا وتطلعاتنا وآمالنا في العيش بكرامة، لكّن نُذكر أنّ هذا الشعب الصنديد المناضل لم يقبل في يوم من الأيام أنّ يُمثل دور المتفرج أو الضحية، وكان على مدار عمر القضية الداعم الأكبر لأي موقف وطني بدماء أبناءه وزهرة شبابهم التي قضوها خلف قضبان الاحتلال.
أقولها وبصراحة، إنّ أراد الرئيس أنّ يُنهي الانقسام لقدم كل ما بوسعه من أجل ذلك وذلل العقبات بدون وساطة أي طرف مع بالغ التقدير للدور المصري الكبير في ملف المصالحة وسعيها المستمر لتطبيق آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني، فعلى الدوام يكون "كبير" القوم هو من يُنهي مشاكل وأزمات أبناءه، وأيضاً بذات القدر لو سعت حماس بجدية لإتمام المصالحة، لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، لذلك المطلوب من طرفي الانقسام إما الخروج باتفاق وطني شامل يتم بموجبه تطبيق ما تم التفاهم عليه، أو أنّ يواجهوا شعباً استمر على مدار ستة عقود وأكثر بتقديم كل غالٍ ونفيس لأجل وطنه ولم يكل أو يمل.
وختاماً أجدد التأكيد على أنّ فصائلنا الوطنية انطلقت من أجل هدفٍ واحد وهو تحرير فلسطين، وهذا الهدف هو من أوصل القيادات والمسؤولين إلى ما وصلوا إليه بانتخاب شعبهم لبرنامجهم المقاوم أو السياسي، فالمطلوب هو تحقيق جزء مما أعلنوا انطلاقهم لأجله على الأقل في الوقت الراهن الذي يستدعي التحلي بقدرٍ عالٍ من المسؤولية للخروج من نفقٍ مُظلم لم نجد أنفسنا بداخله بل نحن بأيدينا وصلنا إليه، ونرى اليوم أحلامنا تتحطم بفعل استمرار الانقسام الذي أرهق حياة شعبٍ أثخنته الجراح ولم يستكين.