من الصعوبة بمكان الكتابة عن رجلِ أمنٍ في المنطقة العربية بشكل عام وفلسطين بشكل خاص لاختلاف المنطلقات الفكرية والعملياتية؛ فالكتاب عادة ينطلقون من منطق الحرية ومساندتها بأشكالها المختلفة وتوسيع نطاقها، فيما رجل الامن ينطلق من منطق التدابير اللازمة للحفاظ على الحكم أو توفير السيطرة. لكن في حالة الأخ "اللواء" خالد أبو يمن تبدو أن المنطلقات هنا مغايرة لناحيتين الأولى وطنية والثانية شخصية.
من الناحية الثانية فقد خَبِرْتُ الرجلَ منذ أكثر من ثلاثين عاما حيث التقيته في سجن نابلس المركزي آنذاك شارفت مدة محكوميته الأولى "العشر سنوات" على الانتهاء حينها كُنْتُ في بداية الاعتقال. وبعد الافراج عنه عام 1987 بأشهر قليلة بات مطاردا من سلطات الاحتلال الإسرائيلي حيث أصيب اثناء المداهمات الاحتلالية وملاحقته، وبعد حوالي أربع سنوات التقيته للمرة الثانية في سجن نابلس أيضا.
كما عرفته أيضا رجل أمنٍ مُنفتح العقل وشديد الالتزام بقواعد العمل، يحمل روح الثائر وإرادة رجل الدولة القادر على التمييز بين الثابت والمتحول وبين نص القانون وروحه؛ كما هو الامر بين شدة التعليمات وحسن التعامل مع الناس. والضابط بين أولويات الحكم واحتياجات المواطنين في جميع المواقع التي شغلها في جهاز المخابرات العامة والمهام التي أوكلت له.
أما من الناحية الوطنية فإنه "الأخ خالد أبو يمن" يتعرض لحملة تشويه غير مسبوقة لمتابعته ملف تسريب العقارات في مدينة القدس لجهات معادية "عقد او محاولة عقد صفقات لأحد رعايا العدو او سكان بلاد العدو" وفقا لقانون العقوبات لسنة 1962 وتعديلاته. ناهيك عن الأهمية الوطنية لمدينة القدس ومكانتها الدينية والتي تمثل عنوانا رئيسيا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الصراع في القدس؛ لا يقف عند حد الصراع الحضاري بل يمتد الى الأرض والعقارات وقبل كل ذلك الانسان وسمعته، فهو صراع وجودي بين الفلسطينيين والاستعمار الإسرائيلي الإحلالي، وبين الحفاظ على الهوية العربية "الاسلامية - المسيحية" وبين فرض الطابع الاستعماري الإسرائيلي من خلال سياساتها واجراءاتها التضييقية على الفلسطينيين. صحيح ان الاحتلال لم يحقق إنجازا في استراتيجية الاستيلاء على العقارات في مدينة القدس منذ العام 1967؛ فقط 110 بؤرة استيطانية في سلوان والبلدة القديمة وهما المنطقتين الأكثر استهدفا بدعوى تاريخية وتوراتية على حد زعمهم، وذلك بفعل صمود ومقاومة المقدسيين، لكن خسارة غرفة أو شقة أو مبنى في هذه المدينة هزيمة نكراء في الروح الفلسطينية.
أدرك تماما القصور الفلسطيني السياسي والأمني في مدينة القدس، وضرورة الدفع بالقوة القصوى للإمكانيات الفلسطينية لتعزيز صمود الفلسطينيين في المدينة المقدسة، ضمن استراتيجية وطنية شاملة ليس فقط لمنع تسريب العقارات بل أيضا للحفاظ على المواطن الفلسطيني وحمايته في مواجهة استراتيجية الاحتلال الهادفة لتفريغ مدينة القدس من أهلها.
وفي الوقت ذاته أدرك تماما ضرورة الابقاء على المؤسسة الفلسطينية وأعضائها قوية وفاعلة في المواجهة المفتوحة مع الاحتلال في مدينة القدس. والوقوف في موجه التشويه لرجال الامن الفلسطيني من أطراف داخلية وإسرائيلية وذلك لحماية عناصر قوة الدفع للحفاظ على تماسك المجتمع الفلسطيني وحماية المدينة المقدسة في هذه المواجهة المفتوحة.