دور الولايات المتحدة في إدامة المأساة الفلسطينية

التقاط.PNG
حجم الخط

من تمكين «إسرائيل» الى الشراكة الاستراتيجية...

دور الولايات المتحدة في إدامة المأساة الفلسطينية

(الجزء الأول)

بقلم: سامي العريان

ملخص: تتناول هذه الدراسة دور الولايات المتحدة في إدامة المأساة الفلسطينية في ظل تعتيم «اسرائيل الحقائق الأساسية حول طبيعة الصراع وتاريخه في المحافل السياسية والإعلامية، وتحاول الدراسة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، منها: هل تستطيع الولايات المتحدة ان تؤدي دور الوسيط النزيه بين الطرفين كما تقوم بترويج نفسها في المنطقة في ظل ان الولايات المتحدة كانت على الدوام المصدر الرئيس لكل المعدات العسكرية الواردة الى «اسرائيل» بما في ذلك أحدث التقنيات التكنولوجية والفنية، حتى تلك التي حجبت أحياناً عن حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي، كما تزود الولايات المتحدة «اسرائيل» مجاناً بسائر الذخائر المتطورة، مثل القنابل العنقودية والفسفورية، التي تستخدم ضد المدنيين العزل.

في رواية جورج أرويل التي عنوانها «1984» يروج الأخ الاكبر لعبارته المضللة التي تقول: «الحرب سلام، والحرية عبودية، والجهل قوة»، وفي دوائر السياسة الغربية والتغطيات الاعلامية للصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، يمكن للمرء ان يضيف المزيد من العبارات المشابهة Oewellian Newspeak, التي تعطي وصفاً دقيقاً للمشهد من قبيل: العنصرية ديمقراطية، المقاومة إرهاب، والاحتلال هو النعيم.

اذا كان الافراد يعتمدون على القادة السياسيين الغربيين أو منصات الاعلام مصدراً حصرياً لمعلوماتهم حول الوضع المتفجر في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ولاسيما في القدس-فإنهم لن يكونوا مشوشين فقط في تحديد الضحية والجلاد فحسب، إنما أيضاً في إدراك تاريخ وطبيعة الصراع بحد ذاته، وعلى سبيل المثال، من الصعوبة ان تتضمن الوثائق الحكومية الرسمية أو تغطيات وسائل الإعلام عبارات من قبيل «الاحتلال الاسرائيلي» أو المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية، ومن النادر ما يذكر بأن القدس تخضع للسيطرة الاسرائيلية غير القانونية منذ أكثر من خمسين عاماً، أو أن يشار الى كون معظم المواجهات التي تقع بالمدينة المقدسة تثيرها محاولات اسرائيلية لتغيير الوضع الراهن للمدينة، وفرض التهويد، وطمس المعالم الاسلامية والمسيحية داخل أسوار البلدة القديمة للقدس.

كثيراً ما تسعى «اسرائيل» وداعموها الى تعتيم الحقائق الاساسية حول طبيعة وتاريخ الصراع في المحافل السياسية والاعلامية، وعلى الرغم من هذه المحاولات، فإن الصراع ليس معقداً أو موجوداً منذ قرون، فبالعودة الى عام ١٩٤٨، الذي شهد تأسيس دولة «اسرائيل»، يبدو الصراع ظاهرة حديثة برزت قبل قرن من الزمان، نتيجة مباشرة للصهيونية السياسية، التي أسست على يد الصحافي العلماني ثيودور هيرتزل، اواخر القرن التاسع عشر، حيث حاولت الصهيونية باستمرار تحويل اليهودية من واحدة من الديانات العظيمة في العالم الى حركة عرقية قومية استعمارية تهدف الى ترحيل يهود العالم الى فلسطين، وممارسة التطهير العرقي ضد السكان الفلسطينيين الأصليين في موطن أسلافهم، وهذا هو جوهر الصراع الذي لا يمكن فهم السياسات والممارسات الاسرائيلية دون الإقرار بحقيقته.

وعلى الرغم من فظاعة هذا الأمر إلا أنه قد يكون القيام بتعتيم الأساطير والتوصيفات المضللة للتاريخ مفهوماً اذ مارسته اسرائيل والصهاينة المدافعون عنها من أجل تعزيز اجندتهم السياسية، لكن من غير المفهوم، بل مما يستحق الشجب، ان يقع الذين يزعمون الدفاع عن حكم القانون، ويؤمنون بمبدأ تقرير المصير، وينادون بالحرية والعدالة-في فخ الدعاية الصهيونية، ويتحولوا الى شركاء متواطئين معها، فعند متابعة خطاب الكثير من القادة السياسيين في الولايات المتحدة، أو مراقبة التغطيات الإعلامية للصراع، يمكن ملاحظة تغييب السياق التاريخي، وتجاهل الحقائق التجريبية، واستبعاد البناءات والسوابق القانونية الراسخة، كما ان هناك مجموعة من الأسئلة التأسيسية التي تفتقر الى الاجابات، من قبيل:

* هل الأراضي الفلسطينية محتلة أم متنازع عليها؟

* هل يملك الفلسطينيون الحق-في القانون الدولي-بمقاومة الاحتلال بما في ذلك استخدام الكفاح المسلح؟ أم أن كل أشكال المقاومة تعد إرهاباً؟

* هل تمتلك «اسرائيل» الحق في البلدة القديمة بالقدس وضواحيها الأثرية والدينية وفقاً لما أعلنه الرئيس دونالد ترامب مؤخراً؟

* هل إطالة ما يسمى بـ «دورة العنف» ينبع فعلاً بصورة متساوية من كلا طرفي النزاع؟

* هل «اسرائيل» ديمقراطية؟

* هل تجب معاملة الصهيونية السياسية بوصفها حركة تحرر قومي مشروعة مع تجاهل مظاهر العنصرية على نحو واسع؟

* هل «اسرائيل» صادقة في سعيها نحو حل سلمي للصراع؟

* هل تستطيع الولايات المتحدة ان تؤدي دور الوسيط النزيه بين الطرفين كما تروج لنفسها في المنطقة؟

ان الاجابات الواقعية عن هذه الأسئلة بإمكانها تبديد الالتباس، وتمكين المراقبين الموضوعيين، لا من تطوير فهم متكامل للصراع فقط، بل من التواصل الى تقدير عميق للسياسات والممارسات الكفيلة بإنهائه أيضاً.

التستر السياسي والدبلوماسي

على جرائم «اسرائيل»

في سعيها لتحقيق اهدافها الاستراتيجية في العالم، شرعت الولايات المتحدة في تبني مجموعة من السياسات والاستراتيجيات الكبرى، لكن أياً منها ليس بوسعه شرح الشراكة الاستراتيجية الخاصة مع اسرائيل، يحاجج مير شايمر ووولت بأن (اسرائيل) اصبحت شأناً داخلياً في السياسة الاميركية، حيث لا يمكن فهم نفوذها الضخم اذا حلل في اطار السياسة الخارجية التي تخضع لنظرية المصالح الأمنية الكلاسيكية للدول وحتى الامبراطوريات، فمنذ تأسيس (اسرائيل)، ومع استثناءات قليلة للغاية، شهدت علاقاتها مع الولايات المتحدة عدة تطورات ومحطات، فقد بدأت الولايات المتحدة بوصفها داعماً سياسياً لاسرائيل ولم تصبح المصدر الرئيس للهبات الاقتصادية والدعم العسكرية فقط، بل اصبحت في نهاية المطاف شريكاً كاملاً ومتواطئاً في سياساتها التوسعية، وأعمالها العدوانية، وسلوكها الاجرامي.

ودبلوماسياً عكفت الولايات المتحدة على حماية (اسرائيل) على المسرح الدولي على حساب العديد من الدول، وبعد تمرير القرار الأممي رقم٣٣٧٩ لعام ١٩٧٥ الذي ينص على اعتبار الصهيونية «شكلا» من أشكال العنصرية والتفرقة على أساس عنصري «بسبب أيديولوجيتها الاقصائية، عملت الولايات المتحدة بلا هوادة على الغاء هذا القرار، وبالفعل، أبطل بعد ١٦ عاماً تحت الضغط الهائل الذي مارسته الولايات المتحدة في أعقاب حرب الخليج الأولى عام ١٩٩١، وفي السنوات التي اعقبت ذلك بقيت الولايات المتحدة تحمي (اسرائيل) من أي فعل او نقد بناء في مجلس حقوق الانسان الدولي التابع للأمم المتحدة، وكذلك في منظمة يونسكو، الى حد حجب الولايات المتحدة تعهداتها المالية، وسحب عضويتها من منظمة يونسكو، بسبب قبولها الرمزي للسلطة الفلسطينية عضواً في كيان ثقافي تابع للأمم المتحدة.

اضافة الى ذلك، وعلى النقيض من غالبية الأمم في العالم، دافعت الولايات المتحدة على الدوام عن سلوك (اسرائيل) التدميري، وفي حالات عديدة، وقفت وحيدة تماماً في دعمها الشرس لممارساتها العدوانية وغير القانونية الموثقة بالكامل، ومنذ عام ١٩٧٣، استعملت حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ثلاثاً وأربعين مرة لحماية (اسرائيل) من أي ادانة او انفاذ للقانون الدولي او تحميلها مسؤولية مواقفها العدوانية وفق ما تمليه المعايير القانونية الدولية، وقد أعطى هذا الدعم المفتوح الضوء الأخضر للدولة الصهيونية لاستخدام القوة العسكرية لاحتلال الأراضي ونهبها، واعلان الحرب على جيرانها، وارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان المريعة ضد المدنيين في فلسطين ولبنان وغيرهما من دول الجوار، الى جانب التحدي الصارخ للقانون الدولي وعشرات المعاهدات الدولية، كاتفاقيات جنيف التي صممت لتوفير الحماية للأشخاص الخاضعين للاحتلال العسكري، ووفقاً لنائب مستشار الأمن القومي الاسرائيلي السابق، شارلز فريليتش فإن «علاقة (اسرائىل) بالولايات المتحدة تمثل دعامة أساسية لأمنها القومي،حيث يشكل الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي الاميركي (لاسرائيل) منذ عقود عنصراً استراتيجياً وحيوياً (لإسرائيل)، لكن هذا الدعم يتجاوز سياسات الاحزاب في الولايات المتحدة، فمنذ عام ١٩٧٣، استخدم جميع الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن لصالح اسرائىل.

ان نطاق الجرائم الاسرائيلية التي غطتها الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (فيتو)، والدرجة التي كانت مستعدة للذهاب اليها في سبيل منع محاسبة (اسرائيل) وامتثالها للقانون - يبدو محيراً، فمن خلال الاستخدام المتكرر لحق النقض شجعت الولايات المتحدة الدولة الصهيونية على مزيد من التجاهل لإرادة العالم، وبفضل الغطاء السياسي الاميركي، سمح (لإسرائيل) بتنفيذ الاغتيالات، وقتل المدنيين حتى من النساء والأطفال، مع الافلات من العقاب، كما منحها ذلك وسيلة لتغطية جرائمها ضد الإنسانية، والشروع في جرائم الابادة الجماعية، والانتهاكات التي لا حصر لها لقرارات الأمم المتحدة، واتفاقيات حقوق الإنسان، وقد كان من الممكن ان يمرر جميع تلك الادانات للجانب الاسرائيلي لولا الاعتراضات والفيتو الاميركي.

(يتبع)

* جامعة صباح الدين زعيم - تركيا