روسيا والمسألة السورية.. اختراقات غير كافية!!

هاني حبيب
حجم الخط

-خبر-كتب: هاني حبيب
9 آب 2015

اضطرت موسكو الى أن ترفع عقيرتها من جديد، لتؤكد ما أكدته دائماً من ثبات موقفها إزاء الأزمة السورية وتمسكها بالأسد، بعدما سرت شائعات عبر وسائل الإعلام الأميركية والخليجية من أن موسكو باتت تدرك بعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات الحثيثة، بأن حلاً سياسياً في سورية مع بقاء الأسد، غير ممكن على الاطلاق، وحسب هذه الشائعات، فإن موسكو أخذت تعيد حساباتها بالتخلي عن نظام الأسد مقابل تشكيل نظام حكم جديد يتوحد الجميع خلفه لمحاربة الإرهاب، حسب مصدر مطلع على ذمة تقرير نشره موقع العرب 8/8/2015.

ورغم ما عددته موسكو من نجاحات لسياساتها ودبلوماسيتها النشطة خلال الأيام القليلة الماضية عبر عواصم عديدة، إلاّ أنها لم تتردد بالقول إن محادثات العاصمة الماليزية كوالالمبور، بين وزيري خارجيتها ووزير الخارجية الأميركية، لافروف وكيري، قد «أخفقت لعدم وقوعهم على بديل محتمل، ورفض روسيا البحث بأي بديل عن الأسد»!، وذلك، أيضاً، اثر بعض ما تداولته وسائل الإعلام الروسية قبل أسابيع قليلة، من مكالمة هاتفية أجراها الرئيس بوتين مع أوباما، للتداول حول المسألة السورية، في تلك المكالمة طالب الرئيس الأميركي نظيره الروسي بالتخلي عن دور للرئيس الأسد في أي حل للمسألة السورية، وحسب هذه الوسائل، فإن بوتين طالب بدوره أن تحدد واشنطن بديلاً عن الأسد، إلاّ أن أوباما ظل صامتاً دون إجابة، وقد فسرت وسائل الإعلام الروسية هذا الصمت، بأن لا بديل عن دور للأسد، حتى بالنسبة لواشنطن، على الأقل على المستوى المنظور.
ورغم حمّى المشاورات والمداولات في عواصم عديدة، وتعدد التسريبات والشائعات وتجاوز اللقاءات والأفكار والمواقف المسبقة، فإن السؤال الروسي الكبير، الذي يبدو أنه يطرح نفسه عبر كل هذه الجهود، يتمثل في سؤال هل أن العالم  في مواجهة مع الرئيس الأسد أم في مواجهة مع الإرهاب، وفي ذات السياق، هل من الممكن القضاء على الإرهاب من دون حل للمسألة السورية، وهل هذا الحل ممكن من دون دور للأسد؟! ويأتي الجواب بالنفي في غالب الأحيان، مكللاً بإضافة مفادها، أن بقاء الأسد، حتى الآن، ليس فقط عنواناً لبقاء الدولة السورية رغم الإرهاب، ولكنه الضمانة الأكيدة لوحدة الدولة السورية، رغم استيلاء الإرهاب على مساحات واسعة منها، وسقوط الأسد، ميدانياً أو عبر اتفاق سياسي، يعني بالضرورة، بدء اقتسام الميليشيات الإرهابية للوطن السوري، وهو الأمر الذي يتوجب على كافة الأطراف، اعتباره خطراً يتهدد كياناتها الهشة والتي تعاني بدورها من «المرض السوري»!!
ولا شك أن الجهد الروسي أثمر اختراقات بالغة الأهمية، وأنجزت دبلوماسيتها النشطة ووساطتها الجادة، سلسلة من اللقاءات بين «الخصوم» وهذا ما جعل لهذا الحراك تغطياته الإعلامية الواسعة والحديث عن دق ناقوس التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، بعدما أعلن وزير الخارجية الروسي عن موعد محتمل لإطلاق «موسكو 3» نهاية أيلول المقبل، كهدف محتمل لمؤتمر ينهي الصراع على سورية.

الاندفاعة الروسية، استثمرت في الواقع جملة من المتغيرات، في طليعتها إعلان واشنطن، أكثر من مرة، أن قدرتها على حشد العالم كله على مواجهة داعش، غير كاف على هزيمة الإرهاب، وان الأمر يتطلب خارطة جدية جديدة، لكي تكون هذه المواجهة أكثر فاعلية، من هنا جاءت الصفقة الأميركية مع تركيا: تخلي أنقرة عن دعمها لداعش، مقابل عدم تشجيع الأكراد على إقامة هياكل سياسية واجتماعية كمقدمة لقيام دولتهم على تخوم الحدود التركية ـ السورية، ومنح أنقرة الضوء الأخضر لقتال داعش والأكراد في نفس الوقت في اطار هذه الصفقة، التي لم تتطور إلى تلبية المطلب التركي بإقامة منطقة عازلة على الأراضي السورية المحاذية للحدود معها.
وربما وجدت موسكو في التوقيع على الاتفاق النووي بين الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة، فرصة لتجاوز الاحتقانات السياسية بين طهران وواشنطن، ما يتيح لتفهم أكثر مما كان عليه قبل التوقيع على الاتفاق، وإيجاد مساحة، من خلالها يمكن تطبيع نسبي بين البلدين، رغم كل المعوقات التي تنتصب أمام هذا التطبيع، وانطلاقاً من الأزمة السورية، تتدخل موسكو للبحث عن قواسم من شأنها تبرير التوترات القائمة، وهذا ما يدفعنا إلى الإشارة إلى أن كافة المشاورات والاختراقات الممكنة، ستظل محدودة التأثير على أية تسوية سياسية للأزمة السورية من دون حل للمعضلة الأساسية التي تواجه هذا الحل، والذي يتمثل في الخلافات الإيرانية ـ السعودية، قبل وبعد الاتفاق النووي، وعلى الرغم من وجود مبادرة روسية بالتوازي مع مبادرة إيرانية، إلاّ أن موسكو التي تحاول التوصل إلى تقاطعات بين المبادرتين، تحاول على مسار آخر سد الفجوات القائمة بين طهران والرياض، وهناك من الواضح بعض الانفراجات والاختراقات إلاّ أنها حتى الآن لا تشكل الحد المطلوب للتوافق، وعلى الأقل لتقريب وجهات نظرهما إزاء العديد من المسائل وفي طليعتها المسألة السورية.
فالحراك قد بدأ.. وما زال في منتصف الطريق، لكن النهاية لا تزال أكثر غموضاً!!