متغيرات الانتخابات القادمة في إسرائيل

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

المتغيرات المقصودة هنا لا تتعلق إلاّ بالذي بات ثابتاً منها، أو تحوّل إلى جديد مستقر، وما يمكن أن تؤدي إليه من تغيرات في الخريطة السياسية أولاً، ثم في الواقع السياسي الإسرائيلي ثانياً، وما يمكن أن ينجم عنها من مستجدات قد تطال الحل السياسي وآفاقه.
المتغير الأول والكبير والأكبر على الإطلاق هو أن نتنياهو إما أنه سيتوارى عن الأنظار السياسية قبل إجرائها (وهذا أمر غير مرجّح حتى الآن)، أو أنه سيفقد الكثير من هوامش المناورة التي توفرت لديه في الانتخابات السابقة وتلك التي سبقتها، أو أنه وإن بقي في الحلبة السياسية، وإن حاول المناورة في هوامش يعمل على اختراعها إن تمكّن أو أُتيحت له الفرصة فإنه لن يتمكن من استثمارها بالقوة والتأثير والنتائج التي كان يحققها آنذاك.
الرجل يبدو ضعيفاً ولكنه ليس واهناً بعد، ولديه قدرات خارقة على المناورة، ولكن الهوامش تضيق، كما أن الليكود نفسه لم يعد متماسكاً بالقدر الكافي خلفه، والحلفاء أنفسهم لم يعودوا كما كانوا بالأمس.
من كل هذه الزوايا فإن نتنياهو وهو رجل ماهر في قضايا اللعبة السياسية، ويجب الاعتراف بقدراته العالية لكن الأوراق التي كان يلعب بها ويتلاعب بها تسقط ورقةً تلو الأخرى، وهي لم تعد بالأهمية التي كانت عليه حتى وإن بقيت قيد التداول المحدود. 
هذا متغير كبير لأن اليمين في إسرائيل اعتمد على نتنياهو لسنوات طويلة، واعتمد على قدراته العالية، واعتمد أيضاً على خبرته الخاصة.
وهناك من يعتقد أن شخصية نتنياهو كان لها الدور الكبير في التحولات السياسية التي جرت في إسرائيل في العقد أو حتى العقدين الأخيرين.
وهناك من يرى أن نتنياهو ليس مناوراً فقط، وإنما استطاع في ظروف صعبة ومعقدة أن يحقق الكثير لإسرائيل من زاوية رؤية اليمين للمصالح الإسرائيلية. وله بصمة مؤكدة في الحياة السياسية في إسرائيل ليست أقل من بصمة شمعون بيريس ورابين، والبعض يذهب إلى حدود البصمة التي خلفها بن غوريون.
المتغير الثاني والكبير أيضاً هو أن 5 كتل وأحزاب يمينية يمكن أن تعبر نسبة الحسم ولكنها يمكن أن لا تعبر أيضاً.
وهنا يفقد اليمين مساحة كبيرة للمناورة وقد يكون ذلك وبالاً على هذا اليمين.
عندما اقترح ليبرمان زيادة نسبة أصوات الحسم كان هدفه كما هو معروف التصدي للقوائم العربية الفلسطينية، أما الآن فهو نفسه أصبح «ضحية» هذه الحفرة التي حفرها.
إضافة إلى ليبرمان هناك حزب «يهودوت هاتوراه» واولى ليفي و»شاس» بشقيه.
باختصار هذا المتغير يمكن أن يكون حاسماً في قدرة اليمين على التربّع مرةً أخرى على سدة الحكم فيها.
ناهيكم طبعاً عن أن مجموعات لا يستهان بها من معتدلي الليكود (الذين تم فصلهم من الحزب مؤخراً) يمكن أن يذهبوا ويتوزعوا ويتفرعوا وتتشتت أصواتهم.
أما المتغير الثالث فهو أن أصوات «المستوطنين» وربما تتشتت بصورة تقضي على أحلام اليمين بالتماسك المطلوب.
ليبرمان سيحصل على بعض هذه الأصوات في منطقة «غلاف» غزة، وبينيت سيحصل على بعض الأصوات (وربما أكثر) من ليبرمان، والأحزاب الدينية (الصغيرة) ستحصل على جزء آخر من هذه الأصوات، و»البيت اليهودي» (القديم) سيحصل على جزء معين منها، والباقي سيذهب إلى الليكود.
دعونا نتذكر هنا أن نتنياهو (الساحر) استطاع تجييش المستوطنين لصالح الليكود تحت شعار الدفاع عن اليمين واستقرار بقائه في الحكم.
الآن لم يعد ممكناً مثل هذا الاستثمار، ولم يعد ممكناً هذا التجييش كما تبدو عليه الأمور حتى الآن، وهو الأمر الذي يعني أن مقاعد الليكود ستظل تنحدر مع اقتراب موعد الانتخابات، خصوصاً إذا تم تقديم لائحة اتهام لنتنياهو، حيث من الصعب أن يتم تجاوز توصية «الشرطة»، وموقف النائب العام، وحيث لا يتوقع أن يصرّ المستشار القانوني على إخراج نتنياهو من «الورطة» بأي ثمن.
مقابل ذلك فإن انحدار حزب العمل في الجهة المقابلة لن يفيد اليمين كثيراً إذا تمكن «غانتس» من الاستحواذ على مجموعة المقاعد التي تحصّل عليها في استطلاعات الرأي الأخيرة، لأن الانحدار في حزب العمل من شأنه أن يزيد من فرص «غانتس» ولا يقلل منها.
إذن لبيد و»غانتس» وبقايا حزب العمل وميرتس والقائمة المشتركة أو «القائمتان العربيتان» يمكن أن يتمكنوا من منع تشكيل حكومة اليمين، بل ويمكن إذا ما وافقت «يهودوت هاتوراه» أو «شاس» أو حتى كحلون أن تتمكن قوى الوسط ويمين الوسط و»اليسار» في إسرائيل من العودة إلى الحكم.
هذه المتغيرات هي بمثابة متغيرات (مستجدات) كبيرة وخطيرة ومهمة في مرحلة حساسة وكبيرة وخطيرة.
مسؤولية القائمة المشتركة أو حتى «القائمتين» مسؤولية استثنائية في تشكيل شبكة أمان إذا كانت هذه الشبكة ستنهي تحكم اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، لأن من شأن هذا السقوط أن يفتح آفاقاً جديدة [ليس] لإيجاد حل سياسي متوازن، وإنما (وهذا مهم للغاية) لوقف التدهور الحاصل، وقطع الطريق على العنصرية السافرة وبدء مرحلة جديدة عنوانها البحث عن حل سياسي وليس القضاء على أية فرصة لهذا الحل كما هي استراتيجية اليمين واليمين المتطرف حالياً.
هذه أشهر حاسمة، وربما تكون تاريخية، لأنه دون تغيرات في إسرائيل فالأفق مفتوح فقط على العنف والدمار، وأخطار قد تصل إلى الترحيل والإبادة والتطهير العرقي المباشر.
إدراك طبيعة المرحلة بأخطارها وآفاقها هو الدرس الأول في علم السياسة الحقيقية.