صناعة الفرق

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

كنا نصنع فرقا في رام لله والبيرة في السبعينيات من خلال العمل التطوعي ولجانه، من خلال قراءة كتاب وتحليله، من خلال إنشاء مكتبة في زاوية الصف في المدرسة الحكومية، كنا عونا للفقراء عبر نشاطات داعمة لجمعية إنعاش الأسرة في المساعدة بالبازارات الخيرية والمهرجانات التراثية، كنا كشافة ملتزمين، كنا ننظم حياة الحي الذي نعيش به.
كنا اقل كلاما وأكثر فعلا، ذهبنا الى جنين كنا يومها في الصف السابع لنقنع رئيس بلدية جنين بافتتاح مكتبة للأطفال في مكتبة بلدية جنين ليقوموا بنشاطات مثل التي نقوم بها في البيرة، بنينا مسرحا من الباطون في ارض مقابل مكتبة رام الله العامة وعرضنا مسرحيات وجمعنا الناس، وبعد سنوات طلب منا في أواخر السبعينيات طالب جامعي أوراقا عن تلك المرحلة لأنه يريد كتابة بحث التخرج من جامعة بيرزيت.
اليوم، الكل "شغال شلع" في الكل وغاب العمل التطوعي وتراجعت القراءة وغاب بريق المكتبات العامة، وازدادت نسبة الفقر ونسبة البطالة، وتراجعت القدرة الشرائية و"معلش لو ارتفع سعر المنتج الفلسطيني كرمال عيونه سامحوه وابتاعوه أغلى!!!!"
شكلنا في العام 1998 مؤسسة صغيرة هدفها مقاطعة منتجات المستوطنات ورغم ذلك جوبهنا بالسؤال الممل التقليدي أين هو البديل؟ أين نذهب بموزعي هذه المنتجات؟ أين نذهب بالعمال؟ من انتم وهل تتحملون مسؤولية فراغ السوق؟
ذهبنا بمشروعنا الى حد أفقه السماء واستطعنا إخراج بعض منتجات المستوطنات. يومها اصدرنا بوسترات ومنشورات "منتج المستوطنات مرفوض وبديله الفلسطيني هو المطلوب"، نجحنا وبتنا مرجعية في الأمر، ذهبنا الى غزة وعقدنا ورش عمل ولقاءات، ذهبنا صوب شمال الضفة الغربية وجنوبها ووسطها، ارسلوا لنا مندوبين للضغط علينا بحجة ان العمال الفلسطينيين سيجوعون ويتشردون.
تلك قصة نجاح خضناها ضمن تحالف عدة مؤسسات وبوركت من المؤسسات والنقابات العمالية والمهنية والجمعيات النسوية. ولا ننسى بالخصوص جمعية الإعلانيين الفلسطينيين الذين ابدعوا معنا انذاك.
هناك من يستفز بمجرد ذكر ان التجارة والعمل في المستوطنات مقاطع وغير قانوني وكأننا نهاجم شيئا يخصه ومتعلقا به، فانهال علينا البعض تهما يوم لا زلنا نهاجم محلات "رامي ليفي" والتسوق منه، وبات البعض يبالغ بحجة ان البديل الفلسطيني بكرامة غير متوفر ولا يوجد كرامة في الوطن!!! سبحان الله الكرامة فقط في المستوطنات.
هناك جهد يبذل في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز التوجه للاستقلال إلا أننا نجابه بإدارة الظهر ولكننا لم ولن ننفك حتى نصنع فرقا للمواطن في ملف العدالة الاجتماعية وعدالة الأسعار.
اليوم، نجلس لنحتسي القهوة وغيرها وندخن الأرجيلة ونفاخر أننا نستطيع طلب الكنافة من نابلس الى رام الله ساخنة وننم على البلد ونقرر ان جميع الناس غير جديرين بما هم فيه، وإذا غامر احدهم وسأل: ما هو بديلكم؟ "نعم نعم نعم يا أستاذ هو احنا صناع القرار معقول هالسؤال، اعطونا الصلاحية الكاملة وشوفوا شو بنعمل احنا بدون صلاحيات او بعضنا في موقع مسؤول سابقا بس بنرحمش حد على الأرض وهم يبحثوا عن الحلول ويتطبلوا".
لا زلنا "نهكش" في سبل دعم المنتجات الفلسطينية ونظن ان تمويلا ماليا ضخما سينتج ثقة لدى المستهلك الفلسطيني بمنتجات بلاده، او ان دراسات وأبحاثا ستصنع فرقا، ويوهمون الناس ان التهويل الإعلامي بأن منتجاتنا الفلسطينية تمتلك نسبة مبيعات تجاوزت 80% ولا زلنا نرى الثلاجات تعج بالحليب واللبن واللبنة الإسرائيلية فأين هي الـ 80%.
هناك الكثير مما يجب ان نفعله في البلد بعيدا عن السلبية بعيدا عن التعالي والتعفف عن ممارسة الدور بل رسم أدوار للناس وكأنه المرشد الأعلى للناس كلهم ولا يرشد نفسه.
وقد يساء استغلال هذه الجزئية واستخدامها، ان كل عملية نقد ومحاولة الضغط والتأثير ستجابه بستار الإيجابية "كن إيجابيا". هذا استخدام غير صحيح وغير منطقي، سأكون إيجابيا وارفض رفع أسعار الكهرباء، وارفض عدادات المياه مسبقة الدفع، وأطالب بدعم المزارع الفلسطيني والقطاع الزراعي، وإعادة الاعتبار للعمل الأهلي وعدم تحجيمه، وسأطالب بتعزيز المساءلة والشفافية، وارفض قانون الضمان بشكله الحالي.
إيجابيون ولكن من حقنا ان نسأل: لماذا لا يوجد لدينا إسمنت فلسطيني، ولا توليد كهرباء، ولا يوجد اكتفاء ذاتي في الحليب، ولا مشاريع إسكان شعبية لذوي الدخل المحدود والمتوسط، ولم نعمل على استعادة حقوقنا المائية المنهوبة.
إيجابيون ولكن لا يوجد بئر في كل عمارة شيدت وبيعت بملايين، ولا يوجد عندنا سد مائي، ولا زلنا نراجع دور مؤسسات العمل الأهلي بعد كل هذا العمر، ولم نؤسس على تجربة سميحة خليل رحمها الله في جمعية إنعاش الأسرة في بقية المحافظات.
لليوم، لا زلنا لا نعرف كيفية تقليل استخدام البلاستيك والنايلون المضر بالبيئة وتعزيز استخدام الورق ولا زال هذا الأمر جهدا على صعيد بلديتي رام الله والبيرة تخيلوا، ولا نحسن استخدام المياه المكررة من محطات التنقية، وبعد هذا العمر لا زلنا لا نغطي احتياجاتنا من الصناعات الغذائية.
إيجابيون ونحسن صناعة الفرق ولكننا بحاجة لفتح قنوات التأثير على صناعة القرار.