نجحت دول الاتحاد الأوروبي في تكوين رابطة قوية ومؤثرة رغم التباين الجغرافي والعرقي والديني واللغة، بعكس الوطن العربي الذي فشل في تكوين اتحاد عربي سياسي واقتصادي، رُغم ما يمتلكه من مقومات اللغة والدين والتاريخ والجوار المشترك.
أستاذ الاقصاد بجامعة الأزهر في غزّة، د. معين رحب، أكد على وجود فرق في النتائج بين استمرار الاتحاد الأوروبي ومشاريع الاتحاد بين الدول العربية، موضحاً أنّ الاتحاد الأوروبي لديه منذ البداية إرادة سياسية على أن تتوصل الدول الأوروبية إلى مراحل متتالية ومتقدمة من التكامل الاقتصادي الذي أوصلها لاستقطاب نحو 27 دولة بعد استبعاد المملكة المتحدة، خاصة في ظل وجود عملة موحدة بين قرابة الـ"19" دولة وهي اليورو.
وقال رجب، لوكالة "خبر": إنّ "دول الاتحاد الأوروبي ارتبطت بتشريعات ومواثيق يلتزم بها كافة الأطراف، بحيث أنهم توصلوا إلى قناعة أنّ التوحد قوة والتفرق ضعف، بالإضافة إلى حرصهم على مبدأ الوحدة الذي يُحقق لهم النجاح".
وأضاف: "على عكس الدول العربية، التي كونت جامعة الدول العربية منذ عام 1945 أي مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي تضم في عضويتها كافة الدول العربية وعددها 22 دولة، لكّن الإرادة السياسية غير متوفرة، فهي تضع تشريعات غير مُلزمة بمعنى أنّ كل دولة لها الحرية في الالتزام أو عدمه، خاصة أنّ منطقة الوطن العربي لم تتوصل بعد إلى إنشاء سوق عربية مشتركة على أرض الواقع وتطبيقها".
وبالحديث عن المقومات التي تمتلكها الدول العربية لإقامة سوق عربية مشتركة، بيّن رجب، أنّ الدول العربية تمتلك مقومات أكثر من الدول الأوروبية، لأنّ الأخيرة تضم دولاً من شتى الأنظمة واللغات عدا عن النزاعات والعرقيات، وفي مقابل ذلك فإنّ الدول العربية يجمعها اللغة العربية والدين الإسلامي والجوار المترابط، بالإضافة إلى الموقع، والموارد الاقتصادية التي لا تنتهي خاصة النفط والغاز.
واستدرك: "الدول العربية تفتقد إلى السيادة، فمؤتمر القمة العربية التنموية الرابع المنعقد في بيروت لم يكن مؤتمر قمة بمعنى الكلمة، حيث لم يحضره سوى رئيسان وهما الرئيس الموريتاني وأمير قطر، بجانب الرئيس اللبناني ميشيل عون، وفي المقابل فإن المقعد السوري كان خالياً"، مؤكدًا على أنّ هذا الأمر مثال على عدم جدية التوجه نحو أعمال تنموية.
ولفت رجب، إلى أنّ الدول الأوروبية لديها شعوبها تحتكم إليها، والشعوب لها دور، بعكس الشعوب العربية التي دائماً ما تكون أدوارها متدنية.
وأوضح أنّ الدول العربية لا تملك مقومات السوق العربية فقط، بل لها مقومات الوحدة الاقتصادية الكاملة إنّ أرادت، ولكن كل دولة تُفضل أنّ تكون علاقاتها الاقتصادية على اتصال مباشر مع الأجانب، وفي نهاية المطاف تًصبح الدول العربية مفتقرة لأدنى مقومات التوافق والالتزام، خاصة أنّ قرارات الجامعة العربية غير ملزمة، وبالتالي كل دولة تتهرب من التطبيق ما يؤدي إلى ترسيخ الوضع الحالي المتسم بالتردي في العلاقات الاقتصادية العربية.
واستشهد رجب، بمثال على ذلك حين أنشأت مصر وعدد من الدول اتحاد دول الشرق المتوسط المنتج للغاز الأسبوع الماضي، ولكّن المفارقة كانت أنّ إسرائيل جزء أساس في هذا التجمع، ولبنان وسوريا وهي دول مشاطئة وفي صميم شرق البحر المتوسط لم تكن ضمن أعضاءه، بالإضافة إلى أنّ تركيا لها ساحل على شاطئ لواء إسكندرون، فنجحت إسرائيل في تمزيق الدول العربية عبر هذا التجمع، وتمكنت أيضاً من إقامة اتفاقات لنقل الغاز الموجود في شرق البحر المتوسط عبر أنبوب يتم بناؤه ليصل إلى إيطاليا ومن ثم أوروبا، في حين دول عربية وهي شريكة في غاز شرق البحر المتوسط غائبة عن الساحة.
وبسؤاله عن نتائج إنشاء سوق عربية مشتركة، رأى أنّ مصر تمتلك المقومات لريادة مثل هذا المشروع، خاصة أنّها تتزعم الوطن العربي بحكم موقعها، وتعدادها السكاني الذي تجاوز 100 مليون نسمة، عدا عن الثروات والموارد الطبيعية التي تمتلكها، وأيضاً سابق حضورها في التجمع العربي.
وختم رجب، حديثه بالقول: إنّ "مصر تملك الموارد والمقومات وتحتاج فقط إلى الإرادة، وشاءت الأقدار أنّ يكون الربيع العربي كمين وقعت به دولًا عربية، حيث انتهى ذلك بخلافات شديدة، لأنّ بعض الدول العربية تُحارب بعضها البعض، مثل اليمن وحربها مع التحالف العربي، والخليج العربي الذي يُحاصر قطر، وخلافات لبنان وليبيا حيث منعت الأخيرة من المشاركة في المؤتمر، وسوريا معزولة، فهذه كلها مؤشرات أنّ الدول العربية ازدادت تفككًا على الوضع السياسي، ما انعكس على الوضع الاقتصادي".