كلب إسرائيل الوطني

thumbgen (23).jpg
حجم الخط

 

لا يمكن فهم التحولات الإسرائيلية في المجالات الاستراتيجية كافة بدون فهم نظرية الأمن الإسرائيلية وتطبيقاتها في اطروحات الهيمنة، وهي التي تبيح استخدام أي وسيلة وسرقة أي شيء أو فكرة أو حتى حيوان من أجل خدمة أهدافها الأمنية، لذا علينا أن نفهم المغزى الاستراتيجي لمطار رامون الذي بدأت بتدشينه منذ سنوات وتم افتتاحه الأسبوع الماضي تحت غطاء دعاية ازدهار السياحة. 
إسرائيل سرقت الأرض وواصلت سرقاتها على مدى عقود، وسرقت الأجواء وسرقت الأفكار والتراث والثقافة وحتى الحيوان لم تتركه في سبيله كما حدث مع الكلب البدوي الكنعاني المعروف في بلاد المشرق العربي منذ آلاف السنين الذي تحول بقدرة قادر إلى “كلب إسرائيل الوطني” ووظف في فرق عسكرية خاصة لغايات أمنية بالغة الدقة والخطورة.
تُسوق في هذا الوقت افكارا متعددة حول إمكانيات المطار وخلفيات انشائه وأهدافه الحقيقية ؛ منها أفكار تتحدث عن الابعاد الاقتصادية المرتبطة بالمشاريع السياسية والاقتصادية في المنطقة وطبعا المقصود هنا صفقة تسوية القضية الفلسطينية وما يروج لها منذ فترة من مشاريع تطبيع اقتصادي عملاقة في المنطقة تستهدف بالدرجة الأولى منطقة الخليج العربي. وفي هذا السياق يفهم مشروع نيوم السعودي الذي يستهدف المنطقة ذاتها، كما هو الحال في اطروحات أخرى تتحدث عن أن المطار سيكون رأس حربة إسرائيل في السيطرة على البحر الأحمر بغية تأمين الغطاء اللوجيستي للمشروع الإسرائيلي في افريقيا الاخذ في التشكل منذ سنوات، كل هذا لا يقلل من الابعاد الأمنية وما يمكن أن يوفره المطار من قدرات دفاعية ورصدية حيث زود مطار رامون بسياج دفاعي عالي المستوى مزود بانظمة تتبع ورصد وهو بمثابة محطة استخباراتية كبرى ويمكن فهم السياق الذي صمم فيه المطار في ضوء ما تعرض له محيط مطار بن غوريون من سقوط صواريخ من قطاع غزة أدى إلى ارباك وتوقف في حركة الطائرات أثناء الحرب على غزة 2014. 
الموقف الأردني المعترض على انشاء المطار بقي محصورا في الاعتراض على الجوانب الفنية ذات الصلة بالملاحة الجوية واحتمالات المخاطر التي قد يسببها المطار الذي لا يبعد سوى 10 كيلومتر عن مطار الملك الحسين في العقبة، ومع أن الاعتراض الأردني قد بدأ في 2015 إلا انه لم يتابع طوال السنوات الأربع الماضية، لذا لم نلمس حتى بيان تحذير من قبل المنظمات الأممية والدولية المعنية بسلامة الملاحة الجوية، حتى الاعتراض الأردني الذي تزامن مع افتتاح رئيس الوزراء الإسرائيلي للمطار الأسبوع الماضي بقي محصورا في الاطار الفني وفي هيئة الطيران المدني.
الأردن الرسمي مطالب بنظرة أكثر عمقا لهذا التطور، أي تطوير حساسية وطنية جديدة لإدارة المصالح في هذه المنطقة الحساسة، تأخذ بعين الاعتبار النظرة الإسرائيلية لمستقبل المنطقة المحيطة برأس البحر الأحمر والمخططات الإقليمية التي تتم صياغتها حاليا، وتشترك فيها دول إقليمية وتحاول استثناء الأردن أو التعامل معه على اعتبار أن مواقفه أو مصالحه الهامشية تحصيل حاصل، نحن بأمس الحاجة إلى خلية تفكير وطني دائمة في مستقبل التحولات الاستراتيجية التي تخطط للبحر الاحمر ومحيطة، بعيدا عن الايدولوجيا والشعارات الرنانة. 
في الموقع الإسرائيلي الرسمي على تويتر تروج إسرائيل للمطار على أساس انه بوابة للسياحة للدول الثلاث الأردن وإسرائيل ومصر ولا تكتفي بذلك بل ان الفيديو الرسمي للمطار يروج للعقبة وللبترا بشكل مباشر؛ المسألة تتجاوز المعايير الدولية للملاحة على أهميتها إلى اعتبارات استراتيجية أكثر خطورة.
مرة اخرى، ثمة تحولات استراتيجية ذات ابعاد أمنية واستراتيجية تخطط لمنطقة شمال البحر الأحمر، وتغلف بخطوات ودعائية رمزية، منذ عقود سرقت إسرائيل الكلب الكنعاني العربي وكان ذلك بداية لسرقة صحراء النقب وغيرها، واليوم تتكرر الدعاية الرمزية لسرقة البحر والجو ايضا.

عن الغد الأردنية