كم هو مخيف ان تتأمل تفاصيل الزمن في بقعة صغيرة لا تتجاوز 365كم مربع، تقف امام من تحبهم فتعرف انك لا تعرفهم، فمراقبة التقويم على جبينهم أمر مفزع يجعلك تتساءل كيف للتجاعيد أن تجرؤ على اقتحام وجوه أطفال صغار بهذا الشكل المر، و ان يغزو البياض شعر شبابها وهم في مقتبل العمر.
تأمل بارد قد يقودك الي الانفجار كما قال درويش: "الزمن فی غـزة لیس عنصراً محایداً انه لا یدفع الناس إلى برودة التأمل، ولکنه یدفعهم إلى الانفجار والارتطام بالحقيقة".
ان كنت في هذا المكان فقط راقب نفسك كل صباح لتعلم الفرق ، وانظر لقلبك ليصدمك بما فيه وارتدي بصيرتك ، واخرج من بيتك لتسمع وجع المارة من الثقوب الصغيرة في الرصيف ، وتمتمات الإحباط المخبأة في فرجة الدكاكين.
ستعلم حقا أننا شعب يصارع الحياة، لدينا الأطفال بلا طفولة، والشيوخ بلا شيخوخة، والشباب بلا شباب ، لنا تقويمنا الخاص الذي يرتبط بعدد سنوات الحصار وتوالي الحروب.
هنا الطريق الي الموت ثوان، ونحن ملتزمون بالحياة كل المشاهد لا تجعلك تتنبأ بالوقت والاحداث ،ولا تراهن على البقاء؛ ففجأة تنشب حرب ، وتارة هدنة وهنا حصار، احداث تجعل منك صاحب عزاء بلحظات فتفقد صديقا او اخ او زوجا في ثوان، وقد تخسر اخر منهم لم يسعفه حظه ولا حقه في الحصول على تحويلة مرضية للعلاج ، لا تستغرب كثيرا من انك قد تدفن اعضائك الحية بترا وانت تشارك مسيرة سلمية بتهمة الإرهاب.
قف في أي مكان وتابع بوصلة الزمان مواعيد تختلف ، وطوابير من الساعات المسلوبة أمام البنوك مقابل بضع شواقل هي منح واعانات ، سنوات ضائعة في جدول أسماء فرص التشغيل والبطالات ، شباب تجاوزا الثلاثين بلا عمل او زواج ، أطفال يبيعون احلامهم واوقاتهم على الطرقات، نساء يكافحن لأجل حياة هي هباء ترد لهن الجميل كما ترد فقاعات صابون الى الهواء هواء ، أكوام من الشهادات والخبرات بلا فائدة تشبه شهادات الوفيات المتراكمة في السجلات.
اعمار لا تخضع لحسابات الشمس والقمر وعدد ساعات الليل او النهار ولا تكترث بخطوط الطول وفرق الساعات بل لنا خطوطنا الحقيقية التي تختلف عن بقاع الأرض و التي تتزامن مع جدول حصص الكهرباء و موعد الرواتب وحصص الكوبونات والمساعدات الغذائية ورواتب جرحى الحروب وغيرها .
هنا نتنفس من لحم الرئة ونكبر اكبر من عمرنا أعمار نتجاوز الكهولة ولم نذق طعم الشباب تذكرني هذه الحياة بقول الرافعي " ابن المرأة العجوز عجوز حتى في الطفولة، وابن الشابة شاب حتى في الكهولة".
ختاما يمر هنا الزمان و يبقى التساؤل قائم متى نعيش في قطاع غزة حياة كالحياة..