نحو استنهاض المؤسسة الحكومية

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بات ملحاً اليوم العمل على استنهاض واقع الوزارات والهيئات غير الوزارية من أجل تجسير الهوة بينها وبين المواطن، وتلك مهمة أساسية من مهام الحكومة القادمة.
تكررت حوادث العمل ووقوع ضحايا لها نتيجة لغياب الرقابة الفاعلة في ملف السلامة والصحة المهنية وتوفير شروط السلامة في مواقع العمل، وهذا دور أساسي من أدوار وزارة العمل صاحبة الصلاحية في إنفاذ القانون، ومهمتها بناء ثقافة السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل، وعدم وضوح التشاركية بين أطراف الإنتاج والعمل ممثلة بالوزارة وأصحاب العمل ونقابات العمل، ولعل النشاط عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يغني عن الرقابة العملية التي باتت التجاوزات وغياب شروط السلامة في مواقع العمل واضحة أمام نظر المواطن العادي الذي بات يتطوع لنشر هذه التجاوزات لحث جهات الاختصاص للقيام بمسؤوليتها المنصوص عليها.
وصباح اليوم الذي يلي حادث العمل تجد الجميع يريد التخلي عن مسؤوليته ويمنحها لغيره رغم انه عند الغنائم لا تنسق أي جهة مع الأخرى ولا تتعاون، وتكثر المشاركة في المؤتمرات وورشات العمل العربية والعالمية وتزدان صفحات التواصل الاجتماعي بالصور ولا تنفذ أية مهارات مكتسبة او تبادل خبرات على ارض الواقع، ويستمر التعليق على ضعف السلامة المهنية عدا عن عمالة الأطفال وتسربهم من المدارس للبيع على إشارات المرور او في سوق الخضار.
ما الذي أنجزناه في هذا الملف على مدار السنوات الماضية واللاحقة، ألم تكن أطراف الإنتاج جميعها شريكة في صياغة مرجعيات السلامة والصحة المهنية؟ لماذا لم تصل الرسالة للمقاول والمطور العقاري؟ ألم يكن الأجدر إيقاع عقوبة رادعة مرة واحدة تجعل الجميع يحسب الحساب للأمر، ام اننا ننتظر حلولاً غير جراحية بل مسكنات.
والمذهل في الأمر ان ذات المقاول وذات المطور العقاري عندما يعمل في مشروع لجهة دولية في فلسطين يلتزم بكل تعليمات السلامة ويعين مراقباً على الموقع مهمته إلزام الجميع بشروط السلامة، لأن العقوبة قاسية قد تصل الى حد إلغاء العقد ولكن فاتحتها منع العامل والمراقب من دخول المشروع وتحميل المقاول المسؤولية بالمخالفة.
والأغرب ان المسؤولين الحكوميين عندما يتفقدون مشاريع تنشأ من قبل شركات دولية أو شركات محوكمة يرتدون كل مستلزمات السلامة، ولكنهم لا يقيمون وزناً لها في المشاريع التي تنفذ في البلد ويسقط فيها ضحايا أو إصابات تسبب إعاقة أو عجزاً كاملاً.
والمؤسف عندما يصبح حديث الرأي العام حول عمارة قيد الإنشاء بعينها في مدينة رام الله تلتزم البلدية الصمت المطبق ولا تتعامل مع رأي الناس، ويتطوع كثير الغلبة أنا العبد الفقير لله ان اسأل البلدية وأحصل على توضيح، وفوراً انشره لكي أساهم في التوضيح، ليس لأن هذه مهمتي بل لأنني اشعر بأهمية المساهمة في الموضوع من باب الشفافية والمساءلة.
لم يعد موضوع السلامة المهنية موضوعاً ثانوياً بعد ما وقع لغاية اليوم من حوادث، وبات ملحاً تفعيل الرقابة والمتابعة في وزارة العمل وزيادة الكادر البشري المؤهل وإنفاذ القانون ليشكل رادعاً لجميع المخالفين ليحسبوا مليون حساب للعقاب والمخالفة المالية.
وبات من الملح اليوم معالجة موضوع مقلق في الوطن المتعلق بانتشار السيارات المشطوبة في المناطق المصنفة (ج) واستخدام بعضها في نقل الركاب، وقام عديد الهيئات والمؤسسات بالعمل لمطالبة جهات الاختصاص الحكومية لمحاربة هذه الظاهرة بالتعاون مع المجتمع المحلي حرصاً على السلامة العامة، الا أن جهداً كافياً لم يبذل في هذا الاتجاه، وما زلنا نراها تتسع وتسبب خطراً على الطرق، سواء عبر السير عكس السير، وعدم مراعاة الأولوية.
وكنت قد عملت عام 1996 ضمن الجهد الشعبي الممؤسس على متابعة هذا الملف بالتنسيق الكامل مع الجهات الحكومية المختصة والشرطة الفلسطينية، ونظمنا عدة جولات ميدانية لمعالجة ظاهرة المشطوب وغير المسجل وغير المؤمن، وتم تقاسم الأدوار في هذا المجال وبدأت متابعات حثيثة حققت نتائج ليست كاملة وليست مُرضية بالكامل، واليوم تعود الأمور لسابق عهدها دون معالجات جذرية وفي ظل مطالبات مجتمعية للحل حرصا على السلامة العامة والآمان على الطرق.
وينسحب الامر على نظام رسوم ربط الكهرباء بأنه لمصلحة المواطن ويخفف عبئاً عنه، وفجأة تطل علينا شركة توزيع كهرباء بالتأكيد انها ستحصّل في منطقة امتيازها من جميع المشتركين الرسوم الثابتة المترتبة على المستفيد المواطن والرسوم المترتبة على المطور العقاري، كون طبيعة البناء هي بيوت مستقلة، وتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي ان قانوناً خاصاً بالشركة يطغى على القانون العام، ورغم الاجتماع العام الذي عقد لشركات توزيع الكهرباء كافة لتوضيح النظام ومتعلقاته الا أن بعض الشركات تصر على عدم التواصل الشفاف الذي يرتكز فحواه على النظام وليس على الاجتهاد.
مشكلة البلد برمتها أننا نبدع في اختلاق المبررات لغياب دورنا في معالجة القضايا العالقة وأبرزها العجز المالي لتحقيق رقابة صارمة تؤدي الى إنفاذ القانون، غياب القدرة على التصرف القانوني في المناطق المصنفة (ج)، مبررات لغياب استمرار الجهد في متابعة ما تم إنجازه، ومثال ذلك أزمة قلنديا الدائمة، وعندما تم وضع حاجز وسطي في الطريق منع الالتفاف عكس السير وتم التشدد بمنع التوقف بجانب المخبز في قلنديا لتخفيف الأزمة، فغابت المتابعة وعادت الأمور الى سابق عهدها.
أزمة البلد أننا نعتقد أن حل الأزمة المالية أو العجز يجب ان تكون من جيب المواطن سواء مديونية مزودي المياه ودائرة مياه الضفة الغربية، أو عجز شركات توزيع الكهرباء.
البلد بحاجة الى إعادة استنهاض الوزارات والهيئات غير الوزارية وتحديد مرجعيات هذا الاستنهاض بصورة تتيح المجال لتجاوز المعيقات وتحويل التحديات الى فرص، وهذا ليس نظرياً بل هو جهد وفريق عمل ورؤية وخطط عمل ترى النور على ارض الواقع وليس تنظيراً دون تنفيذ وواقع.