تتخذ بعض الأسر إجراءات للضغط على الطفل الضعيف الشخصية والمسالم لدفعه إلى أن يكون عنيفاً مع الأطفال الآخرين. في هذا التحقيق، نبحث في طرق لتقوية شخصية الأبناء دون تعليمهم العنف من خلال آراء ووجهات نظر متخصصين في علم النفس والتربية.
1 مشكلات الأطفال قد تتطور إلى خلافات عائلية معقدة
يجد محمد فواز (39 عاماً) أن وجود أبنائه الثلاثة وسط عائلة كبيرة يجلب المشاكل والخلافات، فمشكلة صغيرة بين الأطفال قد تنقلب إلى خلاف عائلي كبير.
ويضيف أن شخصيات أبنائه القوية وعنفهم ضد الأولاد في سنهم، غالباً ما تسبب له الحرج والمشاكل مع أفراد العائلة الذين ينتقدون تصرفات أبنائه، مؤكداً أن تدخل الكبار في مشكلات الأولاد يفاقم المسألة ولا يحل المشكلة.
2 تعليم العنف ضروري للصبيان
تجد أمل عبد الله (26 عاماً) وهي أم لولدين، أنه من واجب الأم تذكير أولادها الذكور بضرورة أن يحافظ كل منهم على ممتلكاته ولو بالقوة، حتى إنها تعاقب أطفالها إذا لم يتمكنوا من أخذ حقهم من الطفل الذي عنّفهم، كونه من الصعب على الأم التدخل وضرب الطفل الآخر، لذا لا بد من أن يتعلم الأولاد التصرف وإلا سيكون اختلاطهم بالأطفال الآخرين صعباً وسيعرضهم لكثير من المشكلات.
3 -أحاول اتباع أُسلوب الضغط والمقارنة لأقوي شخصية ابني
في حين ترى منى منير (32 عاماً)، أم لخمسة أبناء، أن الأطفال يتفاوتون في سماتهم، وإن كانوا ينحدرون من العائلة نفسها ويعيشون في البيت نفسه. فابنها الأكبر الذي يبلغ عشر سنوات، يعدّ ضعيف الشخصية مقارنة بأخيه الأوسط. فهو لا يستطيع الإفصاح بصراحة عن مشاعره أو رغبته في شيء معين، فطباعه الخجولة تجعله معرّضاً للاستسلام والانطواء على نفسه، وهذا ما يدفعها إلى اتباع أسلوب الضغط والتحفيز على ضرورة أن يكون قوياً ولا يسمح لأحد بالتعدي عليه باللفظ أو بالضرب، كما إنها تذكره وتقارنه دائماً بأخيه الأوسط ليكون مثله.
4- نحاول تعليم ابنة أخي كيف تأخذ حقها
تقف شروق العديني (27 عاماً)، حائرة ولا تعرف كيف تتصرف مع ابنة أخيها التي تبلغ أربع سنوات، والتي في كل مرة تتعرض فيها للعنف تعود باكية، ما يجعل والدتها تشعر بالغيظ وتحاول تعليمها أن تضرب الطفل الذي ضربها.
5-سماحي لها بالتمادي في صغرها انقلب علي سلباً في كبرها
تعتقد غادة هيثم (34 عاماً) أنها أفرطت في تعليم ابنتها العنف بحيث انقلب الأمر إلى شيء مزعج وخطير لا يمكن علاجه. فابنتها الصغرى التي كانت تتمتع بفصاحة اللسان، طالما علّمتها أن تكون وقحة وقوية لأخذ حقها، وعدم السماح لإخوتها الذكور بمضايقتها.
كانت غادة تشعر بالسرور لرؤية طفلتها تدافع عن نفسها، أما الآن وبعد بلوغ ابنتها 13 عاماً، فأصبحت نادمة على السماح لها بالتمادي كون ذلك جعل منها مراهقة سليطة اللسان، لا تعرف أصول الاحترام والتعامل مع من هم أكبر منها سناً.
وفي قصة أخرى تحكي نجلاء سعيد (43 عاماً) عن إحدى قريباتها التي تعاني حب التنافس في شكل مفرط، فتسعى إلى الضغط على ابنها لأن يكون متفوقاً دراسياً وقوياً وعنيفاً ليكون أفضل من الجميع، فتقول له:"كل ذلك الطعام لتكون قوياً وتضرب جميع من في صفّك".
أما محمد زياد (30 عاماً)، وهو أب لطفل واحد، فيرى أن تعليم الطفل الدفاع عن حقه لا بد من أن يراعى فيها سن الطفل وشخصيته، فإذا كان يتمتع ببعض صفات العنف، من الأجدر تعليمه طرق أخذ حقه بطريقة سلمية، حتى يتفادى الأهل ازدياد حالة العنف عند طفلهم.
سلوك العنف عند الأطفال لا ينحصر بنشأة الوالدين والأسرة
يؤكد المستشار التربوي وخبير التنمية البشرية الدكتور محمد حسن عاشور، أن للأسرة الدور الأكبر في تشكّل شخصية الطفل. «في سنوات الطفولة يكون الوالدان بمثابة عالم الطفل، ولكن ما إن يبدأ الخروج من دائرة الوالدين والأسرة إلى عالم أكبر وهو المدرسة، حتى تظهر بعض الممارسات سواء من الطفل أو من أطفال آخرين، لذا من المهم أن يستعد الوالدان لهذه المواقف وتربية الأبناء على مواجهتها في شكل متزن، كون تلك الخطوة تؤثر جداً على استقرار نفسية الطفل وتوازنه الاجتماعي خلال مراحل طفولته وما يليها.
لذلك يرى عاشور أن مسألة عنف الأطفال لا يمكن حصرها بعامل تنشئة الوالدين، لأن هناك عوامل قد تساهم في تكوّن الشخصية العنيفة، مثل سمات الطفل والبيئة المحيطة.
ويشير عاشور إلى أن أمهات كثيرات يجدن أن تحفيز أبنائهن عن طريق بعض العبارات المعروفة مثل «من ضربك اضربه» هي الطريقة الصحيحة لتشجيع أبنائهن على الدفاع عن أنفسهم، محذّراً من أن تشجيع الطفل المدلل على العنف لمجرد المنافسة له آثار سلبية على نفسية الطفل وشخصيته.
وأشار إلى أنه من المهم جدا أن يدرك الوالدان أن تشجيع الأطفال على سلوك العنيف له أثر سيّئ سيدفعون ضريبته مستقبلاً، فالطفل العنيف لا يتمتع بعلاقات اجتماعية سليمة مما سيؤثر على شخصيته في مرحلتَي المراهقة والشباب.
إثارة مشاعر الخوف عند الأطفال يُنتج اضطرابات سلوكية
ويرى الأختصاصي النفسي ومستشار القياس والتشخيص الدكتور زاهر الحكير، أن أسلوب التربية الذي يثير مشاعر الخوف وانعدام الأمن في مواقف التفاعل، يترتب عليه تعرض الطفل لمشكلات نفسية أو سلوكية، أو تأخر في نواح مختلفة من النمو. ومن هذه المشكلات السلوكية السرقة التي تعني استحواذ الطفل على ما ليس له.
وشدّد على أهمية تعليم الطفل الحفاظ على حقه دون اللجوء إلى تعليمه القوة والطغيان كون ذلك سينقلب على الأسرة.
زيادة وعي الوالدين هي أساس سلوكيات سليمة
رغم أن مسؤولية التربية وتعديل السلوك واقعة على الأهل، يرى الدكتور أحمد بن سعيد ال كحلان الغامدي أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة الملك الخالد، أن مسؤولية تقع على المدرسة ومراكز الأحياء لتقويم سلوكيات بعض الأطفال، ولكن الأساس ينبع من ضرورة وجود وعي وثقافة لدى الوالدين في التعامل مع كل مرحلة عمرية لتفادي وجود مشكلات سلوكية.
ويعتقد أن «مجتمعنا يعاني نقصاً في الوعي لدى شريحة كبيرة من الآباء والمدرسين فيجري التعامل مع الطفل ذو الشخصية الضعيفة في شكل عشوائي» من خلال قول «لا تكن مثل الفتيات، أو كن نمراً قوياً»، وغالباً ما ينتج عن تلك الأقوال طفل متنمر وعنيف كونه يصغي إلى نصائح الأب، أو طفل يميل إلى الانطواء والعزلة لعدم قدرته على أن يكون الشخص القوي الذي يريده والده.
خطوات لتفادي سلوكيات الأطفال الخاطئة
في جملة من النقاط يسرد لنا عاشور طريقة تفادي السلوكيات غير المرغوبة عند الأطفال كالآتي:
- التربية عبارة عن تعهد المتابعة والتقويم لذا من المهم مراقبة سلوكيات الطفل وتوجيهه في سن مبكرة.
- الحرص على اختلاط الطفل بأقرانه من الأطفال ومحاولة مراقبة طريقة تفاعله مع المحيط.
- يجب أن نعي أن إدراك الطفل الصح والخطأ ينمو مع الأيام، لذا يجب ألا نضع معايير مثالية بل التدّرج بما يناسب عمر الطفل.
- لا بد من التنوع في أسلوب التوجيه وعدم استخدام الأسلوب المباشر في شكل دائم، فمن الممكن اللجوء إلى الأسلوب القصصي أو عن طريق اللعب، لإيصال المفاهيم والقيم وإعطاء الأمثلة عن السلوكيات الصحيحة والسلوكيات الخاطئة.