يبدو أن لقاء وفد حماس برئاسة خالد مشعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من أمس، في أنقرة، قد وضع اللمسات الأخيرة، أو أنه فتح الباب واسعا، لاتفاق " سياسي / امني " تتابعه أنقرة منذ وقت، بين حركة حماس التي تطبق قبضتها على قطاع غزة، وإسرائيل، والذي كثيرا ما خرجت عن اللقاءات والاتصالات، بل والمقترحات السابقة، إرهاصات، كانت تدور كلها حول صفقة، تديرها تركيا كوكيل لحماس مع الحكومة اليمينية الإسرائيلية، مضمونها، دون الخوض بالتفاصيل، هو، هدنة طويلة الأمد مقابل كسر الحصار عن القطاع !
هذه المرة، يبدو أن موافقة حماس على مضمون الصفقة، سمح لوسائل الإعلام، وكانت التسريبات هذه المرة لا تعود لصحف إسرائيلية، بل لصحيفة عربية متزنة، هي "الحياة" اللندنية، بأن تحدد تفاصيل أكثر، بالقول بان الهدنة تتراوح بين 7 _ 10 سنوات، وان كسر الحصار لن يكون على شكل موافقة إسرائيلية على فتح ميناء غزة، بل بتدشين ممر مائي يصل غزة بقبرص!
بالنسبة لإسرائيل، لا يختلف أمر التفاوض مع حماس بهدف تحقيق أهدافها الأمنية كثيرا، هذه المرة، فهي فاوضت حماس عبر مصر، من أجل التوصل للتهدئات السابقة، لكنه بالنسبة لحماس وتركيا مختلف، هذه المرة، بالطبع، فهو يعني بالنسبة لحماس أنه ليس هناك كبير فرق بين شقيق وطني، وشقيق عربي وأخ مسلم، بل هي حرصت طول مفاوضات التهدئة السابقة على أن لا يكون هناك أي دور لكل الأشقاء الفلسطينيين، ليس أبو مازن وفتح فقط، بل حتى سرايا القدس وكتائب الأقصى وكل كتائب ومجموعات "المقاومة" الأخرى، وهذا يعني أن " الأخوّة " العقائدية عندها أولى من أخوّة الدم، أما بالنسبة لتركيا فان الأمر في غاية الأهمية، فهو يقدم إنجازا لأردوغان، الذي بالكاد حصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة، حيث أن استمرار مراهنته على الإخوان العرب، بات موضع تساؤل لدى الناخب التركي، لذا هو بحاجة إلى انجاز ما حتى يستمر في سياسته، وهو على الأغلب مضطر لمواجهة انتخابات نيابية تركية مبكرة.
ما هو هذا الانجاز وما هي أبعاد الصفقة، هذا هو أهم شيء في كل هذه الصفقة، وليس كسر الحصار عن غزة، كما سوف يشاع من اجل تسويقها، وحتى نقترب من جوهر ولب الصفقة، نتساءل أولا، لم انحرف الحديث فجأة عن ميناء يربط غزة بالعالم، بممر مائي يربطها بقبرص، ولماذا قبرص بالذات، وعن أية قبرص يجري الحديث ؟!
قد يقال بان السبب هو أن قبرص أقرب جزيرة لفلسطين وغزة، وهذا صحيح، مع انه يمكن الحديث عن ربط غزة بمصر مثلا، بالإسكندرية أو بورسعيد، ولكن بالتأكيد فان الحديث لا يجري عن دولة قبرص، أي قبرص اليونانية، وإلا لاحتاج الأمر دخول دولة قبرص على الخط، بل إن الأرجح هو أن المقصود هو قبرص التركية، وهي الجزء من قبرص الذي يقبع تحت مظلة تركيا، أي أن تنفيذ صفقة مثل هذه يعني، ما كنا نقول به مرارا من قبل بأن مفاوضات تركية / إسرائيلية حول غزة، ستذهب بغزة لمصير مشابه لحالة قبرص التركية .
السؤال الثاني هو، من سيكون على الجانب الآخر من الممر، وهنا بالتأكيد ستكون هناك تفاصيل لاتفاق لم يبرم بعد، على الأغلب لن تتعدى احد خيارين : إما وجود إسرائيلي / تركي / قبرصي مشترك، أو وجود دولي، يشبه اتفاق 2005 حول معبر رفح. بعد ذلك هذا يعني بأن مثل هذا الاتفاق سيعني بان أطرافه سعت إلى عدم تقديم الأمر على انه إطلاق لدولة غزة، لو كان الحديث يجري عن ميناء ومطار دوليين، بغية احتواء رفضه من قبل الشعب الفلسطيني، لكن يبقى السؤال _ الثالث هنا _ هو لو كان الأمر كذلك، لم لا تشترط حماس أن يتم في الوقت نفسه تدشين رابط بين غزة والضفة الغربية، ضمن الاتفاق نفسه ؟
من الواضح بان حماس ستحصل على فتات من مثل هكذا اتفاق لأن الاتفاق يعني تحويل معبر رفح إلى معبر قبرص، ومنح تركيا ما كان لمصر من قرار بفتح المعبر أو إغلاقه، لكن تركيا ستحصل على مفتاح التحكم بغزة، بما يجعل القطاع كما هو حال قبرص التركية محمية تركية، حيث ستضع تركيا موطئ قدم لها في داخل البيت العربي، فما هو المقابل الذي تحصل عليه إسرائيل؟
إسرائيل بالطبع تحصل على هدنة، والاتفاق يضع إسرائيل، في موضع القادر على نسفه بأي وقت، ففي أي لحظة، يتم فيها خرق الهدنة، بإطلاق أي صاروخ أو حتى فتح نفق (أكيد أن الاتفاق قد يحدد بالتفاصيل ما يعتبر خرقا للهدنة، من مثل الاقتراب العسكري من الحدود أو بناء الأنفاق أو حتى امتلاك أية أسلحة متوسطة أو بيولوجية أو كيماوية)، يمكن لإسرائيل أن تغلق هذا الممر المائي.
الأمن مقابل كسر الحصار هذا ما بين إسرائيل وحماس، أما ما بين إسرائيل وتركيا، يبدو انه جوهر ومضمون الصفقة، والقائم على أساس تقديم غزة لتركيا مقابل غض نظر تركيا عن الطموح الإسرائيلي بالسيطرة على غاز البحر المتوسط، والذي يشمل حقوقا فلسطينية لغزة، وقبرصية، لبنانية، سورية وحتى تركية، وانه ربما يكون بداية لتحالف جديد، تكون أضلاعه المعلنة، تركيا / الأخوان / قطر وإسرائيل، ما دامت السعودية ومصر ترفض التحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران، تكون تركيا / قطر بديلا لمصر / السعودية، وتكون حماس بديلا لعباس ما دام هو الآخر يرفض الدخول بمفاوضات سياسية مع إسرائيل حسب شروطها.
تركي آل الشيخ يعلن عن مسلسل "فنان العرب" حمد عبده
10 أكتوبر 2024