نصف نجاح أم نصف فشل؟

التقاط.PNG
حجم الخط

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

 

الشراكة فرصة لتعميق القواسم المشتركة عبر التفاهم السياسي الحقيقي، خاصة فيما يخص الهموم والقضايا الكبرى في مواجهة سياسة استعمارية/ عنصرية كما الإسرائيلية تسعى للتفريق والإنقسام الفلسطيني بل والعربي. ويبدو أن البعض في "فلسطين الداخل" وخارجها ما زالوا غير مدركين تماما لحقيقة سوداوية يعيشها الشعب الفلسطيني، وهي أن الإنقسام الفتحاوي/ الحمساوي هو، بحد ذاته، نكبة جديدة. وفي السياق، ربما يكون من أسوأ التطورات مؤخرا محاولة البعض تكريس النهج الإنقسامي المعاش لكن، هذه المرة، في أراضي 48 رغم الإنجاز الانتخابي الذي حققوه في العام 2015، سعيا وراء بناء مشروع عمل جماعي للعمل السياسي العربي داخل الكيان الصهيوني.

بات معروفا، في ضوء الاستعدادات والتحالفات للانتخابات التشريعية المبكرة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في 9 نيسان القادم، أن الجهود التي سعت لإعادة توحيد الأحزاب العربية في قائمة واحدة في 48 لزيادة قوتها في الانتخابات قد فشلت. وقد كان الجميع ينتظر ويتمنى نجاح جهود التوحيد لخوض الانتخابات في قائمة مشتركة بعد رفع نسبة الحسم التي يخشى أن تجعلهم خارج "الكنيست" على ضوء استطلاعات الرأي التي تشير إلى أنه في حال توحّد الأحزاب العربية سيؤدي الأمر إلى نسبة تصويت أعلى في الوسط العربي. ومع الفشل في تحقيق الهدف التوحيدي الكامل المشار إليه، ومع أنه كان يمكن لدرجة الفشل أن تكون أعلى متسببة في كارثة سياسية فيما لو لم تتفق الأحزاب على قائمتين وبقيت مبعثرة في (3) أو (4) أو (5) قوائم تحرق آلاف الأصوات الانتخابية، تأكد قبل بضعة أيام أن الأحزاب العربية ستخوض الانتخابات بقائمتين منفصلتين، هما قائمة التحالف بين "حداش" (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) و"تعل" (الحركة العربية للتغيير)، وقائمة التحالف بين الحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي و"بلد" (التجمع الوطني الديمقراطي). هذا، عدا عن تطورات أخرى مرافقة ومواكبة.

ففي خضم جهود المحاولات التوحيدية في "الداخل الفلسطيني"، التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس عضو الكنيست طلب أبوعرار من "القائمة العربية للتغيير"، وشدد على "وجوب خوض الأحزاب العربية الانتخابات في قائمة مشتركة كي تزيد من قوتها"، ما اعتبره البعض الفلسطيني في الداخل تدخلا من الرئيس الفلسطيني في الانتخابات الإسرائيلية! في الوقت ذاته، رفض الإسرائيليون ما سمي "تدخل عباس في الانتخابات الإسرائيلية". فالنائب عن حزب الليكود (ميكي زوهر) رئيس لجنة النظام في "الكنيست"، طالب بفتح ملف تحقيق فوري بشبهات تدخل جهات خارجية في سير الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، ومعاقبة الرئيس الفلسطيني. وقال (زوهر): "إننا أمام مسألة غاية في الخطورة، فالحديث يدور هنا عن تدخل لجهة غريبة مناوئة لإسرائيل في الانتخابات". ويا ليت الأمر توقف عند هذا الحد! ذلك أن بعض القيادات العربية ذات التاريخ المشهود له اعتبرت أن "ما يحصل من تدخل مباشر وبشكل إعطاء أوامر من قبل رئيس السلطة الفلسطينية أو أي من رجاله، هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا... لقد مر زمن التعامل معنا كاتباع ومن خلال الفتات الذي يوزع هنا وهناك. نحن جزء هام ومتكافئ في الشعب الفلسطيني ولسنا ملحقين بأحد!".

ونحن نتساءل: ما الخطأ في أن يبدي الرئيس الفلسطيني (وغيره) خوفه على "القائمة المشتركة" التي صوت لها في العام 2015 ما نسبته 84% من فلسطينيي 48 ففازت بـ "13 مقعدا" في "الكنيست"؟ بل نؤكد أن من حق الرئيس (وأي مسؤول فلسطيني آخر أو أي مواطن فلسطيني أو عربي أو مسلم) أن يتدخل طالما أنه يستهدف رأب الصدع والتوحيد وبخاصة وأن الرئيس الفلسطيني أعلن إيمانه الصريح بأن: "تشكيل القائمة المشتركة قبل 4 سنوات، أحيا الروح المعنوية للشعب الفلسطيني ولسائر الوطنيين العرب الذين يعيشون إحباطاً شديداً بسبب التمزق الفلسطيني والانقسام بين الضفة وغزة. صرنا نقول إنكم حققتم أملاً يراود شعوبنا العربية منذ عقود طويلة. فنحن تربينا على الشغف بالوحدة. فلا تخيبوا آمالنا". وكان قد بدا واضحاً أنه لا توجد بين الأحزاب أي خلافات أساسية أو شبه أساسية حول البرنامج السياسي والأهداف، وأن كل ما في الأمر خلافات على من يقود القائمة وعدد مقاعد كل حزب وكيف توضع أسماؤهم في القائمة... إلخ.

لقد أصبحت الأحزاب العربية مضطرة الآن إلى مواجهة أزمة ثقة مع جمهور ناخبيها، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي (جاكي خوري) إذ كتب يقول: "الآن ستضطر الأحزاب الأربعة إلى تقديم إجابات في محاولة لإعادة بناء الثقة وسط جمهور الناخبين، وإقناع غير المبالين منهم بالخروج من منازلهم والتوجه إلى صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات. فعملياً تعرّض هذا الجمهور لصراع على الأنا وحرب لا لزوم لها على توزيع المقاعد والمناصب وتبادل الاتهامات، مسرحية لا يمكن وصفها سوى بالمخجلة، ومن شأنها فقط أن تزيد من تذمر العديد من الناخبين وأن تدفعهم إلى مقاطعة الانتخابات". فهل كان (جاكي خوري) مبالغا فيما ذهب إليه، أم أنه أصاب كبد الحقيقة؟