بين ليلة وضحاها أصبح الأربعيني "ك" مليونيرا، بعدما كان مراسلا في إحدى المؤسسات الدولية، فقد استقال من عمله وبدأ التخطيط لمشروع خاص بمساعدة أحد أقاربه، الذي أشار عليه بالمتاجرة بالعملات، فأعجب بفكرة المشروع وعمل على تنفيذها.
استغل "ك" احترام وثقة اهل حارته له فبدأ تنفيذ عمله معهم، فأخبرهم عن مشروعه حتى سارعوا ومنحوه ما يدخرونه من عملات اجنبية "دينار، ودولار".
بعد شهر من العمل بدأ التاجر يوزع الأرباح بالإضافة إلى جزء من رأس المال، لكنهم كانوا يرفضونه مطالبين بتشغيله، الامر الذي نتج عنه سيولة نقدية وصلت إلى مليوني دولار.
وبعدما ذاع صيت الرجل والارباح التي يجنيها من تجارة العملات، أصبح الجميع يطرق بابه لتشغيل أموالهم، الأمر الذي علم فيه الأمن الاقتصادي وعلى الفور قام باستدعائه لفهم ما يدور لأنه يقوم بعمل قد يوقعه في خطورة مما اضطره بعد ذلك لإيقاف عمله لإدراكه أنه على وشك الانهيار.
مع تضاعف الأموال بحوزة "ك" ليصل أربعة ملايين مما تركه في حيرة من أمره، لاسيما وان المستثمرين لا يريدونها الامر الذي جعله يوقف نشاطه والعمل بسرية وذلك وفق قوله خلال تحقيقات النيابة.
ووفق التحقيقات فقد أدلى للنيابة أنه في البداية كان يعمل بسرية تامة دون علم اهله، لكن حينما بدأ الجيران يتوافدون لبيته حذروه من أن يكون مصيره كالتاجر الذي ألقي القبض عليه قبل سنوات فبات يعرف أمام الجميع بـ"النصاب".
بعد عام من تجارة العملات تمكن "ك" التخلص من الاموال التي بحوزته وقام بشراء عدد من الشقق السكنية، وحينما اوشكت على الانتهاء كان المستثمرون يطالبونه بالأرباح ، ولكن لا شيء مادي بين يديه.
قرر التاجر الفرار من الناس حيث تمكن من الهرب إلى مصر عن طريق أحد الانفاق، وهناك بعد شهور قليلة لم يتمكن من العيش فالأموال بدأت تقل مما اضطره للاتصال بذويه لمساعدته، وبدورهم نصحوه بالعودة لغزة وتسليم نفسه للشرطة فكان ذلك.
بعدما انتهت النيابة العامة من التحقيق مع المتهم، تم تحويله إلى المحكمة ليتم النظر في قضيته، ففي قفص الاتهام وقف "ك" مطأطئ الرأس في حالة يرثى إليها فبعدما كان رجلا يشهد له بالنزاهة أصبح "نصابا" محترفا.
وكيل النيابة طالب بأقصى عقوبة للمتهم كونه لم يبالي بحال المشتكين وحصل على اموالهم عن طريق الاحتيال بقصد الكسب غير المشروع، وما قام به يعد من الجنايات الخطرة التي تعمل على زعزعة الثقة بين المواطنين.
في حين طالب وكيل المدان المحكمة بالحكم بالحد الأدنى على موكله، لأنه اعترف بما وجه اليه من اتهامات، حسب القانون، خاصة بعدما وقع الصلح مع المشتكين وسيتم استرجاع اموالهم.
بعد سماع القاضي لجميع الأطراف نطق بالحكم قائلا:" باسم الشعب الفلسطيني حكمت المحكمة على المتهم بالحبس خمس سنوات مع النفاذ، واعادة الاموال لأصحابها وفق القانون المعمول به".
المغامرة والمقامرة
وتعقيبا على القضية يقول ماهر السوسي أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية أنها "بدأت بحسن نية لكنها في النهاية أخذت شكل النصب والاحتيال بسبب شدة تهافت الناس لتشغيل أموالهم لجني الارباح".
واعتبر أن المتهم في هذا الملف القضائي لم يفكر بالحلال والحرام حينما استمر في عمله الامر الذي جعله يدخل في دوامة النصب والاحتيال، بالإضافة إلى أن المستثمرين دخلوا في مقامرة ولم يستفيدوا من تجارب اخرين سبق أن كانوا ضحايا عمليات نصب واحتيال مشابهة.
وعن اثار عمليات النصب على مجتمعنا المسلم المحافظ أوضح السوسي أن تلك الحالات تفقد الثقة بين أفراد المجتمع، لان الشريعة الاسلامية ترفض أكل اموال الناس بالباطل وذلك منعا لفقدان الأمن الاجتماعي.
وفي ختام حديثه نصح المواطنين بعدم تبديد اموالهم كي لا يزيد المجتمع ارهاقا وفقرا، وكذلك عدم الخوض في مجال ليس لهم معرفة به كي لا يودي بهم إلى السجن.