القدس لمواجهة دعوات التطبيع

102891531832457.jpg
حجم الخط

بقلم:د.احمد جميل عزم

 

هذا العام، 2019، هو عام القدس عاصمة للثقافة الإسلامية، ويأتي هذا الاختيار في وقت حرج سياسياً، من حيث السياسات الأميركية الإسرائيلية في مدينة القدس، و«الليونة» الزائدة من قبل حكومات ومثقفين عرب في تقبّل التطبيع مع الجانب الإسرائيلي، أو الزعم أن هناك منهجا آخر لحل الصراع، يفترض النقاش والحوار مع الإسرائيليين، ليس في شؤون التفاوض وحل الصراع وحسب، بل وحتى إدخال الجانب الإسرائيلي في نقاش ملفات مختلفة أمنية واقتصادية وتنموية في المنطقة. هناك تجربة من وقت صعب في الماضي، فيه بعض التشابه مع الوقت الراهن، وهو تحديداً مطلع تسعينيات القرن الفائت، عندما شكلت القدس موضوعاً لإعادة توجيه البوصلة بعد حرب الخليج واحتلال الكويت 1990\ 1991.

في الواقع إنّ دراسة تاريخية لكيفية تعريب القضية الفلسطينية، بمعنى تحولها لقضية مهمة للشارع العربي، قبل نحو مائة عام، تكشف أن الصدامات التي كانت تحدث في المدينة، خصوصاً هبّة البراق العام 1929، التي وقعت على خلفية الأحداث في المدينة، هي التي لفتت انتباه الشارع العربي بشكل كبير، وشهدت فعاليات تضامنية في أكثر من بلد عربي، قبل هذا لم يكن الاستيطان الصهيوني يثير قلقا، لدرجة أن دولا عربية، منها مصر، شاركت في حفل افتتاح الجامعة العبرية في القدس، قبل ذلك. وفي العام 1990\ 1991، عندما وقعت حرب الخليج، وغضبت دول الخليج العربية من الموقف الفلسطيني الرسمي، شهدت الأشهر التي تلت الحرب، عدة فعاليات في أكثر من دول عربية وخليجية. حينها زار إمام المسجد الأقصى ماليزيا ودول جنوب شرق آسيا، واستضيف كضيف عالي المستوى، وتم حشد الدعم للمدينة. ثم انتشرت نشاطات على شكل معارض ومؤتمرات في دول عربية، منها مصر، والسعودية، وقطر، لقد عادت فلسطين حينها، من بوابة القدس.

ربما يكون أحد أفضل طرق الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة الإسلامية، تدويل طريقة الاحتفال بها، بمستويين أساسيين، الأول وطني، عبر لجان في كل دولة عربية ومسلمة، على حدة، بل وحتى يمكن العمل على تشكيل لجان في دول غربية، تتفاعل في نشاطات تتزايد وتصل ذروتها في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، يوم 29 تشرين ثان/ نوفمبر، المقبل. والمستوى الثاني، عابر للحدود، أي لجان مشتركة جامعة للدول.

يمكن للقدس أن تقطع الطريق على التطبيع ومقولاته، لا من خلال التذكير بمكانة المدينة الحضارية والدينية، الإسلامية، والمسيحية، والعربية، بل أيضاً وربما الأهم، بتوضيح أمرين للعالم، وخصوصاً لمن يجهل أو يتجاهل واقع السياسات الاحتلالية ويدعو للتطبيع. الأمر الأول، هو السياسات الإقصائية الإسرائيلية في المدينة، لكل من، وما، هو غير يهودي، وبالتالي المدينة مثال واضح أن الجانب الإسرائيلي لا يريد التعايش، فلا بد مثلا من توضيح تدهور الأوضاع المعيشية في المدينة، والحصار الذي يمنع الفلسطينيين وليس فقط العرب، من الوصول للمدينة، عبر جدار الفصل والحواجز.

الأمر الثاني هو واقع المدينة العنصري، لدرجة أنّ المدينة مدينة خلاف وشقاق يهودي – يهودي، فقد هاجر مئات الآلاف من اليهود العلمانيين الشباب، من المدينة إلى تل أبيب ومدن أخرى، منذ العام 1967، على سبيل المثال، ترك المدينة العام 2014 وحده 17091 يهوديا، ودخلها 10351، غالبيتهم شبان علمانيون، ولكن نسبة الزيادة الطبيعية (المواليد) عالية للغاية، بين سكان المدينة اليهود الأصوليين وتزيد عن 7 أطفال للعائلة في المعدل، ما يعوض النقص، ولكن ما يعني أيضاً أن المدينة تصبح أكثر فقراً وأكثر تشدداً وانقساماً، حتى بين اليهود أنفسهم.

في السنة الفائتة، 2018، كان هناك توتر كبير بين جاليات يهودية في الولايات المتحدة الأميركية، وكندا، وبلدان غربية أخرى مع حكومة بنيامين نتنياهو، بسبب السياسات المتبعة في المدينة، غير المتسامحة مع المعتدلين دينياً اليهود، خصوص في أماكن الصلاة اليهودية، في المدينة القديمة. ومثل هذه المعلومات التي تكشف أن مسألة حرية العبادة التي يرددها نتنياهو، ليل نهار لا يمكن أن تكون صحيحة، وأن نموذح ومزاعم الدولة الديمقراطية، والمتقدمة، والمتمدنة ليست صحيحة، وهو ما يحتاج العالم أن يعرفه، لأنه يوضح سياسات الحكومة الإسرائيلية الحقيقية.

في المقابل صورة المدينة المتسامحة لكل الأيان والأجناس قبل المشروع الصهيوني تستحق الاحتفال والإظهار.