قراءة في الاستراتيجية الفلسطينية 2019 على ضوء سياسة ترامب وفوز نتنياهو

التقاط.PNG
حجم الخط

بقلم: جيروم سيغال*

 

قبل فترة وجيزة من الانتخابات الإسرائيلية، تحدث ديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، وهو محامي الرئيس ترامب وصديقه القديم، في مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك). وكان فريدمان المؤيد النشط لحركة الإستيطان لفت الانتباه إلى "فرصة" اللحظة الراهنة. وأعرب عن قلقه من أنه يوما ما سينظر الفرد ببعض الندم إلى الوراء ليقول: لماذا لم نحقق "المزيد من التقدم "عندما كانت السياسة الخارجية الأميركية في متناول يد الرئيس ترامب ونائبه بينس والوزير بومبيو والسفير بولتون وجاريد كوشنر وجيسون غرينبلات وحتى ديفيد فريدمان."

واحتفاءً بإعتراف إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، ردد فريدمان حجة الحركة الإستيطانية بأن الوقت حان للتحرك باتجاه الضم في الضفة الغربية. وعلى مدار عقود، وقف كل رئيس ديموقراطي أو جمهوري في طريق مثل هكذا خطوة من جانب إسرائيل. فالآن هي الفرصة الفريدة، حيث أن الرئيس ترامب لن يمنع ذلك، بل إنه قد يعترف به على أنه "حقيقة" النشاط الاستيطاني على مدار 50 عامًا. وقد لا تتوفر هذه الفرصة عندما لا يعود السيد ترامب رئيسًا. ومما لا يثير الدهشة الإعلان اللاحق لرئيس الوزراء نتنياهو بالبدء في عملية الضم في حال إعادة انتخابه.

ولا يُحدث تعهد نتنياهو بالضم أحادي الجانب أي فارق لحقيقة أن إسرائيل ستنتهك بذلك اتفاق أوسلو الثاني، وعلى وجه الخصوص البند الذي حدد أساسا فترة المفاوضات بـ25 عامًا، حيث ينص بعدم الجواز "لأي من الطرفين البدء أو اتخاذ أي خطوة من شأنها تغيير وضع الضفة الغربية وقطاع غزة بانتظار نتيجة مفاوضات الوضع النهائي".

السؤال الذي يواجه حكومة نتنياهو تكتيكي: ما هي أفضل السبل للتحرك نحو الضم، مع التقليل من تكاليف القيام بذلك؟ والتوجه المحتمل هو كالتالي:

• لن يتسرعوا في الضم. فأولاً سيشجعون إدارة ترامب على طرح "خطة السلام" الموعودة منذ زمن طويل (صفقة القرن).

• وبعدها وبغض النظر عن ما تضمنته الصفقة، سيردون بإيجابية لكن مع ما يكفي من الغموض حتى لا يلتزموا بأي شيء. فعلى سبيل المثال، سيقولون "نحن نرحب بخطة ترامب، ونشيد بأفكارها الإبداعية. وبالطبع نحن لا نتبنى كل التفاصيل فيها، لكننا نعتبرها أساسا لتجديد المفاوضات تحت الرعاية الأمريكية. "

• بعد ذلك سينتظرون رد الفعل الفلسطيني الذي يأملون بأن يكون إدانة منظمة التحرير الفلسطينية للخطة باعتبارها "لا تمثل نقطة انطلاق"، ولأنها "ميتة في مهدها". ويأملون أن تذهب منظمة التحرير الفلسطينية إلى أبعد من ذلك بشجب إدارة ترامب بوصفها غير مؤهلة لقيادة أي عملية سلام.

• وبمجرد رفض الفلسطينيين الكامل لخطة ترامب، سيعلنون بأنه ذلك هو الدليل على عدم وجود شريك للمفاوضات في الجانب الآخر. وسوف ينضمون إلى إدارة ترامب في إدانة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

• وبعدها سيعلنون عن تطبيق القانون الإسرائيلي على الكتل الاستيطانية التي "ستصبح حتماً جزءًا من إسرائيل بموجب أي اتفاق سلام".

• وعندما يُشار إلى أن ذلك ينتهك صراحة الحظر الذي فرضته اتفاقية أوسلو على الضم أحادي الجانب، وسيعلنون بأن فترة أوسلو انتهت وسيلقون باللوم على الفلسطينيين.

• وكما هو متوقع، فإذا أسفرت هذه الخطوات عن تجدد العنف سيردون بقوة ساحقة وسيوظفون أية هجمات ضد الإسرائيليين، وبخاصة ضد المستوطنات كمبرر لمزيد من خطوات الضم.

وبينما يتدارس الفلسطينيون خياراتهم في مواجهة هذا السيناريو المحتمل، فمن المهم إدراك دقة الشيء الوحيد الذي قاله السفير فريدمان في تصريحاته لإيباك بأن إدارة ترامب مختلفة.

وقد يعتقد المرء أن ذلك يعني فقط أنه بمجرد غياب ترامب عن المشهد، ستعود السياسة الأمريكية إلى زمن بدء إدارة ريغان لحوارها مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، بما في ذلك معارضة الضم أحادي الجانب والدعوات لوقف أو تعديل التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.

لكن التغيير المحتمل في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ما بعد ترامب قد يكون أكثر دراماتيكية. فخلال إدارة أوباما عام 2015، أدى قرار نتنياهو بالذهاب إلى واشنطن ومخاطبة الكونغرس في محاولة منع صفقة أوباما النووية، الى القضاء على النمط الأمريكي للحزبين الداعمين لسياسة الحكومة الإسرائيلية. فقد انضم 4 أعضاء من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ من أصل 46، إلى صف نتنياهو في مواجهة إدارة أوباما في تصويت الحاسم في وقت لاحق من العام. ومع الإحتضان المتبادل بين ترامب ونتنياهو، تعمق الانقسام. ففي مؤتمر إيباك، لم يكن أحد المترشحين للرئاسة لعام 2020 حاضراً، وخلال نقاش مجلس الشيوخ للتشريعات المناهضة لحركة المقاطعة وسحب الإستثمارات من اسرائيل، لم يؤيد أي من أعضاء مجلس الشيوخ المترشحين الست تلك التشريعات.

ومثال آخر على التغيير: فقد قام مؤخرًا عضوان بارزان في الكونغرس هما السناتور كريس فان هولن والنائب جيرالد كونولي، وهما ديمقراطيان يدعمان بانتظام السياسة الإسرائيلية، بكتابة مقال رأي في الـ"واشنطن بوست" طالبا فيه الكونغرس بإصدار تشريع "يعارض أي أعمال" تعمل على تخريب حل الدولتين المستقبلي. . . بما في ذلك توسع المستوطنات إلى مناطق جديدة، إضافة الى أي جهد للضم الأحادي لأجزاء من الضفة الغربية أو جميعها."

لقد كنت متابعا للكونغرس وعلى صلة وثيقة به لأكثر من ثلاثة عقود. فالذي يحدث في الكونغرس شيء جديد.

وفي ذات الوقت، لا ينبغي المبالغة بهذا التحول. فعلى سبيل المثال، لم تظهر مثل تلك الانقسامات كمعارضة الديمقراطيين لرزمة المساعدات العسكرية بقيمة 38 مليار دولار لمدة عشر سنوات. فهذا الوضع مائع، ومن المحتمل جداً أن يصبح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قضية مهمة في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وسواء حدث ذلك أو لم يحدث، فهو يعتمد إلى درجة كبيرة على الخيارات الاستراتيجية التي تتخذها القيادة الفلسطينية في الأشهر المقبلة. وقد يكون من غير الممكن منع إسرائيل من القيام بعملية ضم الضفة الغربية. وهذا من غير الواضح بعد، لكن يُلقى على كاهل صانعي القرار الفلسطيني رفع كلفة أي قرار يتخذه اليمين الإسرائيلي.

إقتراحات للفلسطينيين

وفي ما يلي مقاربة يمكن أخذها في الاعتبار:

* عندما تصل أخيرا خطة ترامب، لا ترفضوها كليا. ادرسوها بتمعن وسجلوا الملاحظات حول أي شيء له قيمة في الخطة. وفي بعض الحقول وخاصة التنمية الاقتصادية، هناك بعض الأفكار القيمة. واهتموا كثيرا بالصياغة. فهم لن يتبنوا الدولة الفلسطينية، لكنهم لا يستبعدونها. وذات الشيء ينطبق بشأن السيادة على القدس الشرقية والبلدة القديمة.

* ومن المحتمل جدًا أن تكون الخطة أحادية الجانب ولا يمكن قبولها حتى كنقطة انطلاق للمفاوضات. وإذا كان الحال كذلك، فأوضحوا بأن نقطة الإنطلاق يجب أن تكون متوازنة. ولا تسمحوا للإسرائيليين أو لإدارة ترامب بمساواة رفض خطة ترامب برفض المفاوضات.

* والأهم من ذلك: اطرحوا البديل!

وهناك العديد من الطرق للقيام بذلك، ولكل منها إيجابياتها وسلبياتها، وقدموا اقتراحًا مضادًا على الأقل:

١) الأكثر قوة: قدموا معاهدة سلام بديلة شاملة تكون منظمة التحرير الفلسطينية مستعدة لقبولها. وكنقطة انطلاق، يمكن للمسؤولين الفلسطينيين استخدام مبادرة جنيف لعام 2002 - وهي المعاهدة الكاملة التي أعدها الإسرائيليون والفلسطينيون. وإذا لم تكن مبادرة عام 2002 مقبولة بالكامل، فاطرحوا التعديلات المحددة، وضعوها على الطاولة كوثيقة حقيقية بتفاصيل كاملة، لعرضها للتوقيع، أو لطرحها في استفتاء إذا كانت إسرائيل ستفعل ذات الشيء.

٢) المعايير المألوفة: إذا بدت فكرة إبرام معاهدة سلام شاملة جريئة، فعلى الأقل اطرحوا مجموعة من المعايير التي تطالبون إسرائيل بقبولها كأساس لتجديد المفاوضات. وعند ذلك، استخدموا إطارًا مألوفًا ومقبولًا لدى الكثيرين في إسرائيل والولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، ومع بعض التعديلات الطفيفة، اطرحوا معايير كلينتون لعام 2000؛ أو استخدموا المعايير المتفق عليها سرا أثناء التفاوض بين زعيم حزب العمل الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ وأبو مازن عام 2014. أو استخدموا شيئًا قريبًا مما كان عمليا في المفاوضات مع رئيس الوزراء أولمرت عام 2008.

٣) عملية جديدة: والبديل الآخر هو الدعوة إلى عملية مفاوضات جديدة. وقد يكون أحد الاحتمالات دعوة الأمم المتحدة إلى إعادة تأسيس اليونسكوب (لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين) التي صاغت عام 1947 خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين. ومن خلال الدعوة إلى إعادة تشكيل اليونسكوب، يمكن أن تستند إلى مبادرة السلام العربية.

وقد يكون هناك خيارات أخرى. والشيء الأكثر أهمية هو تشجيع التغيير السياسي في إسرائيل وفي الولايات المتحدة. وللقيام بذلك، تحتاج القيادة الفلسطينية إلى طرح بديل لخطة ترامب. وإذا قالت مجرد "لا"، فستكون لعبة في يد نتنياهو.

* جيروم سيغال هو رئيس لوبي السلام اليهودي. في عام 2018، تحدى السناتور بن كاردين لترشيح الحزب الديمقراطي في الحملة الانتخابية الأولية بولاية ماريلاند.