يستقبل قطاع غزّة شهر رمضان المبارك هذا العام في ظل ظروفٍ اقتصادية معقدة، أدت لتدهور كافة مناحي الحياة، وذلك جراء عدة عوامل أبرزها الحصار "الإسرائيلي" المستمر منذ (13) عاماً، بالإضافة إلى تلقي موظفي السلطة الفلسطينية ما قيمته (50%) من رواتبهم.
وبحسب مراقبون فإنّ الأوضاع في غزّة تتطلب حراكاً واسعاً وشراكة حقيقية من كافة الأطراف الفلسطينية، بدعم عربي وإسلامي ودولي؛ لمواجهة التحديات المختلفة، وأبرزها الحصار "الإسرائيلي"، وما خلفه من آثار تدميرية، إلى جانب آثار الانقسام الداخلي.
وفي ظل الأوضاع الراهنة يستعد موظفي السلطة الفلسطينية في غزّة لاستقبال شهر رمضان في ظل تقليص قيمة رواتبهم إلى (50%) للعام الثالث على التوالي، ما يُؤثر سلباً على حياتهم اليومية خاصة خلال الشهر الكريم.
جيوب فارغة وديون متراكمة وراتب لا يكفي لتوفير أدنى احتياجات الحياة الأساسية ومتطلبات شهر رمضان المبارك، بهذه الحالة ستستقبل هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع الفلسطيني الشهر الكريم، بعد أنّ كانت رواتبهم مصدراً أساسياً لإنعاش الأسواق.
معاناة مستمرة
الموظفة الحكومية "د. ح"، بيّنت أنّ خصومات الرواتب دفعتها للبحث عن بديل تسد من خلاله احتياجات أسرتها، حتى اتجهت أخيراً إلى العمل في مجال صناعة المعجنات وبيعها من أجل توفير متطلبات أطفالها وعائلتها.
وقالت لوكالة "خبر": إنّ "ما يتبقى من راتبي بعد الخصومات يتراوح ما بين (300 إلى 500) شيقل فقط، وهذا المبلغ لا يكفي لتغطية ايجار البيت"، موضحةً أنّ هذا الأمر هو الدافع الرئيس لتوجهها نحو إنتاج "المعجنات" وبيعها بهدف توفير قيمة ايجار شقتها.
وبينت أنّ معاناة الموظفين تبدأ لحظة التوجه إلى البنك لتقاضي الراتب، وبدء تسديد الديون المتراكمة من راتب لا يكفي بالأساس لتوفير متطلبات الحياة الأساسية، مطالبةً الرئيس محمود عباس بأنّ يوعز للبنوك بوقف خصومات الرواتب على الأقل خلال الأشهر القادمة التي يتصادف فيها حلول شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى.
ولم يختلف الحال كثيراً مع "ص.ت" وهو موظف من تفريغات (2005)، ويتقاضى شهرياً ما يقرب من (300) شيقل فقط، مُؤكّداً على أنّ خصومات الرواتب أدت لتدهور حياته المعيشية بشكلٍ كبير.
وأضاف خلال حديثه لوكالة "خبر": "كنا نتلقى في السابق (1500) شيقل، وبالكاد يتم من خلالهم توفير ايجار المنزل وتخصيص بقية المبلغ للعيش من خلاله طوال الشهر، لكّن الآن الأوضاع اختلفت مع الخصومات، ما دفعني للبحث عن عمل آخر".
وأردف: "من حسن حظي أنني حصلت على رخصة قيادة، وأعمل الآن على سيارة بالأجرة لتوفير الطعام لأسرتي الصغيرة في ظل غلاء الأسعار بشكلٍ كبير"، لافتاً في ذات الوقت إلى أنّه لا يستطيع في كثير من الأشهر تسديد ايجار المنزل، ما أدى لتراكم مبالغ مالية عليه لدى مالك العمارة السكنية.
موت سريري
قال المحلل الاقتصادي، مدير العلاقات العامة بالغرفة التجارية، د.ماهر الطباع، إنّ "قطاع غزّة يمر هذا العام بأسوأ وضع اقتصادي ومعيشي وإنساني، وذلك نظراً لاستمرار الحصار المفروض على القطاع، وتفاقم أزمة الموظفين"، مُنوّهاً إلى أنّ استمرار الوضع الكارثي بالقطاع سيؤدي إلى انعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين، مما سيؤثر على الحركة التجارية خلال شهر رمضان.
وأوضح الطباع في حديث خاص بوكالة "خبر"، أنّ استمرار الأوضاع الاقتصادية الراهنة، سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر في قطاع غزّة، مُشدّداً على ضرورة رفع الحصار المفروض على القطاع، وإعادة صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بشكلٍ كامل، من أجل إنعاش الاقتصاد بغزّة جزئياً.
ورأى الخبير بالشأن الاقتصادي، أستاذ علم الاقتصاد بجامعة الأزهر في غزّة، د.معين رجب، أنّ ما زاد الأوضاع سوءاً في قطاع غزّة هذا العام، هو زيادة نسبة الخصم على رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بالقطاع، الأمرالذي أدى لتدهور الوضع الاقتصادي وتراجع الإنتاج والحركة التجارية بالأسواق.
ولفت رجب في حيدثه لـ"خبر"، إلى أنّ الأسواق لن تكون مكتظة خلال شهر رمضان هذا العام، نظراً لتردي الوضع الاقتصادي وعدم توفر السيولة النقدية، مما سيؤدي لزيادة حالة الركود الاقتصادي، داعياً السلطة الفلسطينية إلى ضرورة أنّ تبذل جهداً كبيراً في هذا الأمر، باعتبارها، المسؤول الأول عن هذه الأزمة من أجل التخفيف عن المواطنين خلال شهر رمضان.
وبيّن أنّه في حال استمرار أزمة الرواتب، فإنّ الوضع الاقتصادي سيشهد مزيداً من حالة الركود والكساد التجاري، بالإضافة إلى أنّ معدلات الفقر ستزداد ارتفاعاً، مما سينعكس سلباً على حياة المواطنين وسيؤدي إلى انتشار الأمراض نظراً لنقص الأمن الغذائي.
أرقام وإحصاءات
وأوضح الطباع أنّ قطاع غزّة يمر بأسوء أوضاع اقتصادية ومعيشية وإنسانية خلال العقود الأخيرة، وذلك في ظل استمرار و تشديد الحصار المفروض على القطاع، واستمرار الانقسام الفلسطيني، وتفاقم أوضاع وأزمات المواطنين، عدا عن استمرار وتشديد الحصار الظالم، ومنع دخول كافة احتياجات القطاع من السلع والبضائع المختلفة، وأهمها مواد البناء التى تعتبر العصب و المحرك الرئيسي للعجلة الاقتصادية، والتي أدى منع إدخالها وفق الألية الدولية إلى تعثر عملية إعادة الإعمار، بالإضافة إلى ما ساهمت فيه الإجراءات الأخيرة التى اتخذتها السلطة الوطنية بحق قطاع غزّة وعلى رأسها خصم ما نسبته (50%) من رواتب الموظفين على مدار عامين، وتطبيق التقاعد المبكر على الألاف من الموظفين المدنيين و العسكريين.
وكشف الطباع أنّ كافة المؤشرات الاقتصادية تشير إلى مدى التدهور الاقتصادي والمعيشي والإنساني الذي وصل له حال قطاع غزّة خلال العام (2018)، ومن أهمها:
1- ارتفاع سنبة البطالة في قطاع غزّة خلال العام 2018 إلى (52%).
2- وجود (300) ألف شخص عاطل عن العمل.
3- نسبة البطالة بين الخريجين في الفئة العمرية من (20-29) سنة وصلت إلى (69%).
4- معدلات الفقر في القطاع وصلت إلى (53%).
5- نسبة إنعدام الأمن الغذائي لدي الأسر في قطاع غزّة وصلت إلى (68%).
6- إنعدام القدرة الشرائية وانخفاض الواردات بنسبة تتجاوز (20%).
7- ما يزيد عن مليون شخص يتلقون مساعدات من الأونروا و المؤسسات الإغاثية الدولية والعربية العاملة.
8- انخفاض عدد الشاحنات الواردة إلى القطاع بنسبة (50%) خلال السنوات الأخيرة، من (750) شاحنة يومياً إلى (350) فقط.
9- (87) مليون دولار حجم الشيكات المرتجعة.
10- القطاع الاقتصادي مغيب كلياً عن عملية إعادة الإعمار، ونسبة التعويضات لاتتجاوز (16.5%) من إجمالى أضرار القطاع الاقتصادي.
11- (72%) فقط ما تم إعادة بنائه من كافة الوحدات التي تم تدميرها بشكل كلي خلال حرب (2014)، ولا تزال هناك حاجة إلى (21٪) من الإسمنت لحالات إعادة إعمار المساكن التي استهدفت خلال حرب عام (2014).
12- يُقدر عدد النازحين بدون مأوى جراء الحرب الإسرائيلية في صيف (2014) على قطاع غزة، بحوالي (2,370) أسرة، أي حوالي (13,300 ألف فرد مشرد).
13- انخفاض حاد في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في قطاع غزة بلغ (7.9%) خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام (2018) مقارنة مع الأرباع الثلاثة الأولى من عام (2017)، ما أدى لتباطؤ نمو الاقتصاد الفلسطيني.
14- انخفاض حاد في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (357) دولار أمريكي خلال الربع الثالث من عام (2018)، وسجل انخفاضاً بنسبة (9%) مقارنة مع الربع الثالث من العام (2017).
يُذكر أنّ قطاع غزّة المحاصر منذ حوالي (12) عاماً، يُعاني من ظروف اقتصادية واجتماعية ومعيشية صعبة وقاسية جداً، في ظل ارتفاع نسبة الفقر والبطالة بين المواطنين، تحديداً بعد أزمة رواتب موظفي السلطة الفلسطينية.