فلسطين الشمالية وفلسطين الجنوبية: هل المسألة جدية هذه المرة

الشافعي
حجم الخط

-خبر-كتب:صادق الشافعي 22 آب 2015



المقصود بالمسألة هو الأحاديث عن مفاوضات تجريها حركة حماس مع دولة الاحتلال لعقد اتفاق تهدئة طويلة الأجل، والأحاديث تقول باتفاق هدنة طويل الأجل يستمر ثماني سنوات، تلتزم خلالها حركة حماس بضمان هدوء جبهة غزة، مقابل عطايا تمنحها دولة الاحتلال مع استمرار احتفاظها بحق التحكم بهذه العطايا والرقابة عليها وبقرار وقفها ما رأت ضرورة لذلك.
اما عن جدية دولة الاحتلال، فرغم انها المستفيدة حتى الآن من أحاديث الاتفاق بتعزيز الانقسام الفلسطيني وستكون المستفيدة اكثر اذا ما حصل الاتفاق، فقد نفى بيان صادر عن مكتب رئيس وزرائها عقد اجتماعات مع "حماس" مباشرة او من خلال دول أُخرى او وسطاء. هل هذه ألاعيب؟
وأما جدية حركة حماس، فهي تبدو جادة وحاسمة لأمرها وخيارها الدخول في اتفاق تهدئة مع العدو لجهة المبدأ، وانها  جاهزة لإبرام الاتفاق الذي تجري الأحاديث عنه، خصوصاً وان ذلك ينسجم ويخدم توجه الحركة لكسب الاعتراف الدولي بها وإقامة علاقة معها.
 ولا يغير من هذا الحسم في المبدأ، ولا يوقف محاولات التوصل الى اتفاق، احتمال فشل المحاولة الحالية، لعوامل متداخلة تنظيمية ووطنية وإقليمية، وإسرائيلية أيضا. ولا فرق ان يتحقق الاتفاق ببركة بلير او غيره او بمباركة الخليفة العثماني في أنقرة او حليف له، المهم ان ينال دائماً بركات مكتب إرشاد حركة الإخوان المسلمين.
ان حسم حركة حماس لأمرها وخيارها وتوجهها  بالشكل المذكور وجاهزيتها للدخول في مساومات واتفاقات منفردة، ليس ابن اللحظة السياسية الراهنة، بل سبقت اللحظة الحالية مقدمات تمتد الى سنوات سابقة، فقد بادرت مثلا، الى وقف تكتيك العمليات الاستشهادية منذ سنة 2003 كعربون لرفعها من قائمة الإرهاب لدى المحكمة الأوروبية، وانها في برنامجها  للانتخابات التشريعية 2006 تجاوزت الميثاق الذي كانت وضعته سابقاً لأنه كان مثار انتقادات خارجية،  كما أوضح احد كتابها ومستشار رئيس وزرائها السابق احمد يوسف في مقاله بوكالة معا الإخبارية في 3/2/2015.
ان حسم حركة حماس لخيارها وتوجهها المذكور ليس امراً عرضياً، بل يشكل واحداً من مكونات منهج  فكري سياسي ممارسي متكامل له مكونات أُخرى.
مكون ثان لهذا المنهج، هو التفاوض والتباحث المنفرد المستقل والسري بعيداً عن القوى الفلسطينية الأُخرى وخارج إطار المؤسسات والهيئات الشرعية للنظام الفلسطيني القائم. وهي تقوم بذلك لا كمبادرة تنظيم من بين تنظيمات أُخرى، تطرحها عند تبلورها كاقتراح على الهيئات الجماعية المعنية للتعامل معها بما يلزم، تفعل ذلك بمنطق وطني جماعي، ولكنها تقوم بذلك بمنطق ومن موقع الكيان السياسي المستقل والممتلك لمقاليد الحكم في قطاع غزة وصاحب القرار فيه.
والمهم ان الأطراف الأخرى تتعامل مع "حماس" بنفس هذا المنطق وعن قناعة وقبول بالموقع المذكور.
 ولا تلتفت "حماس" كثيرا او قليلا الى التأثيرات السلبية لممارستها المذكورة على النضال المشترك مع القوى الأخرى بعد ان حولت العلاقة معها الى علاقة إملاء وفرض للأمر الواقع، ولا تلتفت الى تأثيراتها المدمرة على وحدة المؤسسات الشرعية وانقسامها، وعلى وحدة النضال الوطني وتكامله ووحدة التمثيل السياسي الفلسطيني، ولا تلتفت الى الضرر الكبير الذي تلحقه بكل الشرعية الوطنية الفلسطينية.
هذا المكون وتجلياته في الممارسة، يعيد السؤال حول درجة قناعة حركة حماس بوجود قوى مناضلة غيرها، ووجود نضال وطني قبلها، وحول قناعتها بالمؤسسات القائمة ودورها.
مكون ثالث للمنهج المذكور هو ان "حماس" تحصر تفاوضها على ما تحت سيطرتها وتحكمها الكامل، وهو في الوقت الحالي قطاع غزة، ولا تبعد عينها عن الامتداد الى الضفة الغربية عندما تنضج الظروف لذلك، وهي لا تقف ساكنة  تنتظر حركة الظروف بل تغذيها وتستعجلها وتدفعها باتجاهها.
وحركة حماس، كما يؤكد اكثر من مسؤول فيها، لن تُقْدم في الوقت والظروف الحالية على إعلان كيان سياسي مستقل ومنفصل في القطاع، لأن ذلك يضر بها ويخلق ردة فعل جماهيرية ضدها ويوقعها في خصومات مختلفة لا داعي لها، ولأن الإعلان الآن، لا يغير شيئا في حقائق الأمر الواقع على الأرض ولا يضيف لها شيئاً بل ينتقص منها.
المكونان الثاني والثالث مجتمعان في الظروف الوطنية والإقليمية الحالية، واذا ما قدّر للمفاوضات الحالية ان تصل الى اتفاق  ينتجان كارثة وطنية عنوانها الأساس تكريس الانقسام بشكل كياني مكتمل الشروط الجغرافية والسياسية والمؤسساتية والتمثيلية والتحالفية.
وحتى لو لم تصل المفاوضات الحالية الى نتائجها المطلوبة، فان قبول الدخول بها وبغيرها على أساس النهج المذكور ومكوناته يكشفان بجلاء أن الاتجاه الأساسي لحركة حماس هو امتلاك سلطة تسيطر عليها تماماً، سواء منفردة او مع شركاء ثانويين وشكليين ومؤقتين، وأنها على استعداد لدفع الأثمان المطلوبة لذلك.
وهذا ما يعيد طرح السؤال حول انقلابها في حزيران 2007 وحول حقيقة المبررات التي قدمت للقيام به وحول أهدافه، ويعيد السؤال أيضا حول عنوان الأولوية بين الانقسام والانقلاب.
هذا الرصد لحركة حماس لا ينتقص من حقها  في السعي للوصول الى الحكم، منفردة او مع آخرين، شريطة ان يتم ذلك من خلال انتخابات عامة ديمقراطية ونزيهة تحافظ على وحدة الشعب وعلى تكامل نضالاته ووحدة مؤسساته. ولاينتقص من حقها، على قدم المساواة مع غيرها، في امتلاك تحالفاتها الإقليمية والدولية كفصيل من فصائل النضال الفلسطيني بنفس الشروط المذكورة للانتخابات العامة، مع ضرورة توفر شرط إضافي شديد الأهمية هو الحفاظ على الأولوية المطلقة للنضال الوطني وضروراته.
هل سنصل يوما الى واقع فلسطين الشمالية وفلسطين الجنوبية، ام نحن الآن فعلا في هذا الواقع.