الحكومة ومواقع التواصل الاجتماعي

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

منذ بداية عمل الحكومة الحالية بدأت متابعات لها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، منها ما كان نقداً موضوعياً أو نظرة إيجابية بمحاذير، وهناك من حمل الطبلة وبدأ برفع سقف التوقعات حتى السماء دون مسوغات منطقية، باستثناء انه كان لا يطيق الحكومة السابقة، وقد يكون بداية فعل ذات الشيء مع السابقة جزئيا وليس لمدة طويلة، واستمرت تلك الظاهرة لليوم.

قبل يومين من الآن سُرّب أو نشر أو اكتشف ما يتعلق بزيادة رواتب رئيس الوزراء والوزراء في الحكومة السابقة، وقيل ما قيل في الموضوع سواء الوضع الاقتصادي والمعيشي والمالي الذي نعيش، ومصادرة اموال المقاصة، ونصف الراتب للموظف ومطالبته بالصمود والثبات والانتصار لقضايا الأسرى والشهداء، والمشروعية القانونية للقرار، وهل يعقل ان يتسرب وزير او وزيران من وراء رئيس الوزراء السابق لمطالبة الرئيس بزيادة رواتبهم "غلاء معيشة".

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي على ضوء ذلك واشتعلت مجالس التحليل أيضاً واقعياً، وجلها رافض للفكرة من أساسها، موضحاً أن هناك فئات في الوظيفة العمومية أكثر حاجة، وهناك من استخدم الموضوع برمته لينتقد الحكومة السابقة ولا يبقي لها ولا يذر، وكيل المديح المبالغ به للحالية وكأنها صاحبة قصب السبق في الكشف عن الموضوع ومعالجته!!!

موضوعياً نصحت للحكومة الحالية أن لا ترخي أذنيها لمن يكيلون المديح ويطبلون ويزمرون بصورة ترفع سقف التوقعات في ضوء أوضاع لا يجوز أن نذهب بهذه الاتجاهات، ونصحت الا يترك المجال للبعض ليعطوا إيحاء للرأي العام وكأنهم مقربون للحكومة، ونصحت الا يتاح لهم المجال بهذا الاتجاه، هذه الصورة قد تكون بادرة ليست خيراً اذا استمرت الأمور بهذا الشكل، ونصبح لا نسمع الا إدانة لكل ما سبق ونقطة وسطر جديد، وبالتالي نظل ننتظر بسقف توقعات يرتفع فيسبوكياً دون واقع.

وتتسع دائرة النقاش وتطرح الأسئلة الصعبة "لماذا الجرأة على المال العام دون حسيب ولا رقيب؟" "لماذا لم تسرب هذه الأوراق إبان الحكومة السابقة ولم يخرج علينا احد من داخل المطبخ ليقول هناك اشكالية؟" "لماذا ما زال هناك من يبرر أن المبالغة هي سيد الموقف ولا يوجد ما هو جديد وهناك من هم اقل من رتبة وزير ورواتبهم تزيد على ذلك!!!!"

وفي المجالس الواقعية طرح السؤال الأصعب "هل تقاضت الحكومة الحالية رواتبها على الزيادات منذ بداية عملها وغضت الطرف عن الموضوع؟" "لماذا أحالت الحكومة الحالية موضوع الزيادات السابقة الى الرئيس لمعالجتها وكأن الأمر لا يخصها رغم إضافة تبقى الأمور على حالها بخصوص رواتب الوزراء الحالين؟" "حتى ان رواتب الموظفين للعيد كانت ستصرف يوم غد الاحد وصُرفت بناء على طلب الرئيس الخميس الماضي".

ما نريده باختصار شديد من الحكومة الحالية واضح ... عدم إتاحة المجال لمن أراد الإيحاء انه يمون عليها ان يكون ذلك ممكناً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً لمن اراد رفع سقف التوقعات لدى الرأي العام ومن ثم نهوي جميعا في الواقع، وهذا يقود الى رأي عام ضاغط بناء على سقف توقعات مرتفع غير واقعي، الحكومة الحالية بغنى كامل عنه.

هناك قضايا كثيرة قد لا تكون تحمل معايير الحوكمة من قبل الحكومة السابقة، وبالتالي يجب التعامل معها بحكمة وحلها قبل أن تتحول لتسريبات تقلق راحة الشعب الفلسطيني في وضع صعب سياسياً ومالياً واقتصادياً، وهذا ينسحب على وزراء الحكومة الحالية التصرف بذات الحكمة داخل وزاراتهم عندما سيكتشفون أخطاء لا تحمل صفة الحوكمة داخل الوزارات أو الهيئات غير الوزارية، سواء ترسية عطاء يحمل صفة السرعة، أو مواضيع منح أذونات لأمور تحمل صفة الاستعجال أيضا، أو فتح المجال أمام مورد بالعودة للمشاركة في عطاءات أو عمليات توريد وقد كان محظوراً لمسوغات قانونية، أو إتاحة شكل من شكل الاستحواذ على السوق وعدم إتاحة المنافسة.

ويبقى هناك أمل شعبي بأن يتم معالجة بعض القضايا التي لا تحمل نفقات مالية إضافية بالمطلق، مثل تشغيل تطبيق كريم بشروط واضحة ومحددة كانت قد نوقشت مراراً وتكراراً، تفعيل المناطق الصناعية والاستفادة القصوى منها وعدم تكرار الحديث النمطي عنها كما وقع سابقاً مجرد زيارات متكررة وكأنها للمطور وليست للمستثمر في تلك المناطق الصناعية، فمنذ العام 2005 والحديث يدور عن انشاء صوامع للقمح وتلك قضايا مهمة تتعلق بالامن الغذائي.

كفانا معاناة من قضايا تحمل صفة الاستعجال كان بالامكان معالجتها منذ سنوات مضت ولم تعالج وآن الأوان لعلاجها، والحديث يدور عن الزراعة في فلسطين وفكرة العنقود الزراعية في طوباس وجنين والاغوار، وتطوير القطاع الصناعي وعدم الاكتفاء بالحديث عنه دون دفعة للامام وعدم الاكتفاء بمؤشرات كانت تطلقها الحكومة السابقة أن منتجات الالبان تغطي 80% من حجم السوق، ولم يتم الحديث عن نسبة المبيعات ولا عن كمية المرتجع لدى تلك الشركات وعمليات الاتلاف بإشراف جهات الاختصاص، وقضايا دعم وتشجيع المنتجات الفلسطينية ومحاربة التهريب عبر تبييض منتجات المستوطنات والمضاربة بالمنتجات الإسرائيلية للمنتجات الفلسطينية، ولعل أوضح مثال البطيخ والشمام ويتلوه البطاطا والجزر، وهناك تهريب في قطاع التمور رغم التشدد في الأمر والضبط.

لا نريد ان نهتف لوزير في الحكومة الحالية لمجرد انه تفقد اعمال وزراته "وهذا ما يقع في بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي" ونحن لا نريد تفقد واطلع واستمع كما كان يحدث سابقاً، عندما كانت تشتد ازمة المياه وتعطش محافظة بيت لحم ومحافظة الخليل مثلاً ليخرج علينا من يتفقد ويطلع ويرافق مستشاراً للحكومة ليفتتح عبارة قطرية في مخيم ويعتبره انجازاً.

لن نهتف لوزير تفقد طريقاً أو مشفى أو مدرسة أو قاعة امتحان التوجيهي بعد ايام، ولن نصدق موظفا في وزارة يهتف لوزيره لأنه تفقد وزارته ليقول انظروا الفرق، هذا ما بشرتكم به أنا العبد الفقير.

لن نترك الأمور دون ان نناقش خطيب المسجد عندما يقول أن الفقير لم يكون فقيراً الا لأن قدراته العقلية محدودة، وبالتالي لا يستطيع تدبير أموره ولديه سوء إدارة، وهذا يدفعنا للاستنتاج أن الغني كامل القدرات العقلية ويحسن الإدارة ويتدبر أمره.