يصادف اليوم الإثنين، الذكرى التاسعة والثمانون لإعدام سلطات الانتداب البريطاني، شهداء ثورة البراق الأبطال: "محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير"، حيث تم إعدام هؤلاء الشهداء في سجن القلعة بمدينة عكا عام 1930 على الرغم من الاستنكارات العربية.
الأبطال الثلاثة بدأت قصتهم بعد أنّ اعتقلت قوات الشرطة البريطانية مجموعة من الشبان الفلسطينيين بسبب ثورة البراق، التي بدأت بعد أنّ نظم قطعان المستوطنين مظاهرة ضخمة بتاريخ 14 آب 1929 بمناسبة ما أطلقوا عليها آنذاك "ذكرى تدمير هيكل سليمان"، ومن ثم أتبعوها في اليوم التالي 15/آب بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل حتى وصلوا إلى حائط البراق، مرددين "النشيد القومي الصهيوني"، بالإضافة إلى شتم المسلمين.
وفي اليوم التالي وهو يوم الجمعة 16/آب الذي صادف في حينه ذكرى المولد النبوي الشريف، توافد المسلمون ومن ضمنهم الأبطال الثلاثة للدفاع عن حائط البراق الذي كان في نية اليهود الاستيلاء عليه، فكان لا بد من الصدام بين العرب والصهاينة في مختلف المناطق الفلسطينية.
شرطة الانتداب استطاعت في حينه اعتقال 26 فلسطينياً ممن شاركوا في الدفاع عن حائط البراق وحكمت عليهم بالإعدام جميعاً في البداية لينتهي الأمر بتخفيف هذه العقوبة إلى السجن المؤبد عن 23 منهم مع الحفاظ على عقوبة الإعدام بحق الشهداء الثلاثة "محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير".
وحدّدت سلطات الانتداب يوم 17 حزيران 1930، موعداً لتنفيذ حكم الإعدام بحق الأبطال الثلاثة، الذين تحدوا الخوف من الموت ولم يكن يعني لهم شيئاً بل على العكس تزاحموا للقاء ربهم.
ومن المعروف أنّ محمد جمجوم كان يُزاحم عطا الزير ليأخذ دوره غير آبه الموت، وكان له ما أراد، أما عطا وهو الثالث فقد طلب أنّ ينفذ حكم الإعدام به دون قيود، إلا أنّ طلبه رفض فحطم قيده وتقدم نحو المشنقة رافع الرأس.
محمد خليل جمجوم
من سكان مدينة الخليل، وتلقى دراسته الابتدائية فيها وعندما خرج إلى الحياة العامة عاش الانتداب وعرف بمقاومته للصهاينة ورفضه للاحتلال كما العديدين من أبناء الخليل، حيث كان يتقدم المظاهرات احتجاجاً على اغتصاب أراضي العرب، وكانت مشاركته في ثورة العام 1926 دفاعاً عن المسجد الأقصى ما جعل القوات البريطانية تقدم على اعتقاله.
فؤاد حجازي
أصغر الشهداء الثلاثة سناً وهو مولود في مدينة صفد، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية في الكلية الاسكتلندية، وأتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت.
وعرف منذ صغره بشجاعته وحبه لوطنه واندفاعه من أجل درء الخطر الصهيوني عنه وشارك مشاركة فعالة في مدينته في الثورة التي عمت أنحاء فلسطين عقب أحداث الثورة.
عطا الزير
من مواليد مدينة الخليل، وعمل في مهن يدوية عدة واشتغل في الزراعة وعُرف عنه منذ صغره جرأته وقوته الجسدية، كما شارك في المظاهرات التي شهدتها مدينة الخليل احتجاجاً على هجرة الصهاينة إلى فلسطين.
وفي ثورة البراق هب الزير مع غيره من سكان الخليل مدافعين عن الوطن والأهل بكل ما تفرت من إمكانات، وشهدت مدن فلسطين صداماً دامياً بين العرب والصهاينة، وفي تلك الفترة شهدت في الخليل نفسها قتل ستين صهيونياً وجرح خمسين آخرين.
وصايا الشهداء
سُمح للشهداء الثلاثة أن يكتبوا رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام وجاء فيها: "الآن ونحن على أبواب الأبدية، مقدمين أرواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء إلى جميع الفلسطينيين، ألا تُنسى دماؤنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة، وأن نتذكر أننا قدمنا عن طيبة خاطر، أنفسنا وجماجمنا لتكون أساسا لبناء استقلال أمتنا وحريتها وأن تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الأعداء. وان تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأعداء منها شبرا واحدا، وألا تهون عزيمتها وألا يضعفها التهديد والوعيد، وان تكافح حتى تنال الظفر".
وأضافوا الشهداء الثلاثة : و"لنا في آخر حياتنا رجاء إلى ملوك وامراء العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، ألا يثقوا بالأجانب وسياستهم وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: "ويروغ منك كما يروغ الثعلب".
وتابعت رسالتهم: على العرب في كل البلدان العربية والمسلمين أن ينقذوا فلسطين مما هي فيه الآن من الآلام وأن يساعدوها بكل قواهم، وأما رجالنا فلهم منا الامتنان العظيم على ما قاموا به نحونا ونحو أمتنا وبلادهم فنرجوهم الثبات والمتابعة حتى تنال غايتنا الوطنية الكبرى، وأما عائلاتنا فقد أودعناها إلى الله والأمة التي نعتقد انها لن تنساها. والآن بعد ان رأينا من أمتنا وبلادنا وبني قومنا هذه الروح الوطنية وهذا الحماس القومي، فإننا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين ونضع حبلة الأرجوحة، مرجوحة الأبطال بأعناقنا عن طيب خاطر فداء لك يا فلسطين، وختاما نرجو أن تكتبوا على قبورنا: "إلى الامة العربية الاستقلال التام أو الموت الزؤام وباسم العرب نحيا وباسم العرب نموت".