يُعاني الشباب الفلسطيني ضيق الأوضاع وقلة فرص العمل عدا عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة بحق كل فلسطيني، والمتمثلة بالاعتقال والاعتداء والتنكيل والتعذيب الجسدي داخل السجون، لكنّ قطاع غزّة المحاصر منذ 13 عاماً تمر فئة الشباب فيه بأوضاع كارثية أدت إلى تسرب معول المجتمع وعامل بناءه والذهاب نحو الهجرة هرباً من الواقع المرير والمصير المجهول.
قطاع غزّة المحاصر شهِدَ خلال الأعوام الأخيرة الماضية نسباً مرتفعة في تسرب الشباب وبحثهم عن الهجرة سواء كانت بطرق شرعية أو عن طريق التهريب، وذلك بعد أنّ فقدوا الأمل في المستقبل ولم يبقى لديهم ما يخسرونه في أرض لم يبقَ لهم فيها إلا الحروب والانقسام والاضطهاد، وبات الذهاب إلى مصيرٍ مجهول تحفه المخاطر أفضل بالنسبة لهم من البقاء في مجتمع لا يتوفر فيه أدني مقومات الحياة الكريمة.
وفي تقرير نشرته هيئة البث "الإسرائيلية" الرسمية باللغة العبرية "كان"، قبل عدة أشهر تبيّن أنّ عدد الشباب المهاجرين من قطاع غزّة تجاوز الـ40 ألفاً، حتى منتصف عام 2018، و20 ألفاً وفق تقديرات الأمم المتحدة.
شهادات حية
الشاب الفلسطيني "محمود أبو ناجي" رغم معرفته بما ينتظره من ويلات ومعاناة من أجل الوصول إلى دولة بلجيكا، إلا أنّ لم يتوانِ مغادرة قطاع غزّة، بحثاً عن حياة كريمة.
وقال أبو ناجي لمراسلة وكالة "خبر": إنّ "ما دفعني للتفكير بالهجرة هو الظروف الاقتصادية الصعبة في قطاع غزّة، عدا عن استمرار الانقسام الفلسطيني، وعدم توفر أدنى مقومات الحياة".
وأضاف: "تمكنت وبعد عناءً طويل من مغادرة قطاع غزّة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزّة في صيف العام 2014، وذلك مقابل مبلغ مالي بسيط استطعت توفيره من عائلتي إلى جانب مبلغ آخر من عملي، ومن ثم جرى ترحيلي من معبر رفح إلى مطار القاهرة ومن هناك إلى تركيا"، مُبيّناً أنّه مكث في تركيا حوالي ستة شهور حاول خلالها الوصول إلى دولة اليونان، لكنّ كافة المحاولات باءت بالشفل.
وأردف أبو ناجي: "في المرة الخامسة، أجريت مكالمة مع مهرب سوري الجنسية ومقيم في إسطنبول، وأبلغته أنني من قطاع غزّة وأريد الهجرة لليونان، وبالفعل تمكنت من الوصول عن طريق البحر ولكن بعد مشقة ومعاناة طويلة".
وعن تفاصيل معاناته أثناء رحلة الهجرة عن طريق البحر، قال: "مررنا بغابة كبيرة جدًا ومُخيفة لمدّة 9 ساعات، ومن ثم جاءت سيارة وأقلت جميع المهاجرين المتواجدين بالمكان، وأوصلتنا إلى نقطة التهريب القريبة من الشاطئ، وكان بانتظارنا مُسلّحون أتراك، فبدأنا تجهيزّ قارب التهريب المطاطي، والذي يبلغ طوله 9 أمتار وعرضه مترين، وعند الساعة 11 مساءًاً بدأ المركب بالتحرك ".
وتابع: "حينها انتابني شعور بالخوف وأنّ الموت أصبح قريب مني، حيث كنت أنا الفلسطيني الوحيد بين المهاجرين وجميعهم كانوا سوريين، والكل كان ينظر إلى بعضه البعض كأن كل منهم يودع الأخر، وفكرت عندها أكثر من مرة بالنزول وعدم إكمال الطريق، لكنّ وصولنا لنقطة التهريب يعني وقوعنا بالفخ، وهنا أُجبرت على إكمال الطريق، وبعد وصولي لليونان اعتقلتني الشرطة اليونانية لمدة أسبوعين بسبب عبوري لبلادهم بطريقة غير شرعية، وخلال تلك الفترة بحثت عن طريقة آمنة للذهاب للسويد وبالفعل نجحت بالسفر إليها ومكثت بها لمدة 4 سنوات، ومن ثم توجهت إلى بلجيكا التي مازلت أقيم فيها حتى يومنا هذا".
وبعث أبو ناجي برسالة للشباب الفلسطيني وكل من يُفكر بالهجرة، بضرورة البحث عن طرق آمنة للسفر وعدم التفكير بها من خلال البحر، لأنّ المهربين دائماً ما يضعون في المركب أكثر من حمولتها الأمر الذي يُهدّد حياتهم، مُؤكّداً على أنّه لو عاد به الزمان إلى الخلف لنّ يُفكر بالهجرة مرةً أخرى.
أسباب الهجرة
قال الكاتب والمحلل السياسي سميح خلف، إنّ "انتشار البطالة وارتفاع معدلات الفقر في قطاع غزّة وعدم وجود عدالة في توزيع الوظائف، هو السبب الرئيسي الذي دفع آلاف الشباب الفلسطينيين من كافة التخصصات العلمية إلى البحث عن الهجرة".
وأضاف خلف خلال حديثه لمراسلة وكالة "خبر": أنّه "من الطبيعي وجود ظاهرة هجرة منظمة لطلب العلم، وإسناد الوطن بالخبرات العلمية والتكنولوجية، لكنّ خروج هذا الكم الهائل من الشباب، ما هو إلا هرباً من الواقع المرير الذي يمرون به"، مُعتبراً أنّ تسرب الشباب من أي مجتمع، أمر في غاية الخطورة خاصة المجتمع الفلسطيني الذي يخضع تحت احتلال إسرائيلي غاشم يسعى بكل الطرق إلى إفراغ فلسطين من أهلها.
وأوضح أنّ الطرق التي يتم معالجة قضايا غزّة بها من قبل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، لا جدوى منها خاصة أنّ معدلات الفقر والبطالة في ارتفاعٍ متزايد، في وقتٍ تزداد به أعداد المهاجرين، مُشدّداً على ضرورة إنشاء مشاريع استراتيجية وجماعية مثل "الورش، والمزارع، وأنشطة تجارية أخرى" وذلك من أجل الحد من تفاقم هذه المشكلة.
وفي ختام حديثه دعا خلف حركتي حماس وفتح إلى وضع خطط تنموية، وإيجاد حلول عاجلة للحد من ظاهرة الهجرة، ومن أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني.
مهمة خلية الإنقاذ
بيّن مدير خلية الإنقاد والمتابعة (m.r.c )، علاء العراقي، أنّ مهمة الخلية هي متابعة قوارب المهاجرين التي تُغادر من تركيا إلى الجزر اليونانية، والعمل إغاثتها ومساعدتها لتأمين وصولهم بسلام، وأيضاً إبلاغ خفر السواحل التركي أو اليوناني، في حال حدوث أي حالة غرق.
ولفت العراقي خلال حديثه لمراسلة وكالة "خبر"، إلى أنّ خلية الإنقاذ مكونة من مجموعة الشباب من جنسيات عربية متعددة، حيث تعمل بشكلٍ إنساني دون أي مقابل، وهدفها إيصال المهاجرين بسلام ومنع حدوث حالات غرق، موضحاً أنّه لا يوجد إحصائية محددة بعدد الفلسطينيين الذين تم فقدانهم أو غرقهم.
وفي ختام حديثه، أوضح العراقي أنّ الخلية تُقدم على الدوام نصائح للمهاجرين من خلال صفحتها، وأبرزها التواصل مع فريق الإنقاذ قبل السفر بيومٍ واحد على الأقل، من أجل معرفة وضع البحر، وارتداء سترة النجاة أثناء تحرك القارب، وأن يتوافر لدى المهاجرين خط إنترنت دولي من التواصل معهم ومتابعة قاربهم، وعدم الصعود في قارب يتجاوز عدد الأشخاص على متنه (40) شخصاً.